للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وجوب العودة والرجوع إلى الله واتباع نبيه]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أيها الأحبة الكرام! قد يكون من اليسير جداً أن نقدم منهجاً نظرياً في التربية والأخلاق، ولكن هذا المنهج النظري سيظل حبراً على ورق ما لم يتحول في حياة الناس إلى واقع عملي ومنهج حياة، بل قد لا يساوي قيمة المداد الذي كتب به ما لم يتألق في دنيا الناس سمواً وروعةً وجلالاً، ولقد نجح النبي صلى الله عليه وسلم في أن يجعل من الأعراب ومن العرب المنبوذين في أرض الجزيرة، الذين لا ذكر لهم ولا كرامة قبل الإسلام، استطاع النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل من هؤلاء الحفاة العراة جيلاً قرآنياً فريداً، لم ولن تعرف البشرية له مثيلاً على الإطلاق؛ وذلك يوم أن نجح المصطفى صلى الله عليه وسلم في أن يطبع آلاف النسخ من المنهج التربوي الإسلامي، ولكن المصطفى لم يطبع هذه النسخ بالحبر على صحائف الورق، وإنما طبعها على صحائف القلوب بمداد من النور، فحول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا المنهج النظري في التربية والأخلاق إلى واقع عملي يتألق عظمة في دنيا الناس، فرأت البشرية كلها نبلهم وصدقهم، ورأت منهج الله يمشي على قدمين في دنيا الناس، كما قالت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كان خلقه القرآن).

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قرآناً متحركاً في دنيا الناس، وكذلك كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يمتثلون أمر الله ورسوله، ويجتنبون نهي الله ورسوله، ويقفون عند حدود الله جل وعلا التي يعلمهم إياها رسوله صلى الله عليه وسلم.

ووالله! لن نكون من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم حقاً إلا إذا عدنا فسرنا على طريقه ودربه صلى الله عليه وسلم، وعلى كل نفس تدعي الإيمان بالله ورسوله، وتدعي الحب لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم أن تنظر أين هي من حقيقة الإيمان وحقيقة المحبة وصدق الاتباع؟ فالعودة إلى الله ورسوله ليست نافلة ولا تطوعاً ولا اختياراً، وإنما هي عودة واجبة، بل إننا أمام شرط الإسلام وحد الإيمان، إما إيمان باتباع المصطفى والسير على طريقه، وإما كفر بالانحراف عن منهج الله، وعن طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥] وقال تعالى في حق المؤمنين الصادقين: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [النور:٥١ - ٥٢] وقال في حق المنافقين الذين يسمعون ويعرضون يسمعون وينحرفون يسمعون ويهزءون ويسخرون قال الله في حقهم: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} [النساء:٦٠ - ٦١].

إذا: المؤمن هو الذي يسمع ويطيع للنبي صلى الله عليه وسلم فمن أطاع النبي فقد أطاع الله، ومن عصى النبي فقد عصى الله، فسيرة النبي ليست من أجل الثقافة، ولا من أجل والمجادلات، وإنما من أجل أن تحوّلها الأمة في حياتها إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة.

فلابد من العودة إلى الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم لا سيما في هذه الأيام، فوالله! لن تعود الأمة إلى مكانتها إلا إذا عادت إلى المنهج الذي رفعها من أسفل سافلين إلى أعلى عليين، ألا وهو منهج رب العالمين، ومنهج سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم.

هل تعلم أن مجرد رفع الصوت على النبي صلى الله عليه وسلم يحبط العمل؟! وهل تعلم أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كادا أن يقعا في الهلاك لمجرد أنهما رفعا أصواتهما فوق صوت النبي؟! فـ أبو بكر وعمر العظيمان في هذه الأمة - بعد نبيها- تعرضا للهلاك، والحديث في صحيح البخاري عن أبن أبي مليكة وفيه: (كاد الخيران أن يهلكا).

فـ أبو بكر وعمر، رفعا أصواتهما في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك لما أقبل وفد بني تميم على الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر: أَمِّرْ عليهم القعقاع بن معبد يا رسول الله! قال عمر: لا، بل أمر عليهم الأقرع بن حابس يا رسول الله! فقال أبو بكر لـ عمر: ما أردت إلا خلافي يا عمر! وقال عمر: ما أردت خلافك يا أبا بكر! فهذه هي الكلمات بنصها فقط، وهذا هو الحوار الذي دار، فأسألكم بالله ما الذي جرى؟! وما الذي وقع؟! أبو بكر يقول: أَمِّرْ القعقاع بن معبد، وعمر يقول: أمر الأقرع بن حابس، فيرد الصديق: ما أردت إلا خلافي يا عمر! ويرد عمر: ما أردت خلافك يا أبا بكر! فما الذي حدث؟!

الجواب

لا شيء، إلا أن الصوت قد علا عند النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ فنزل القرآن يحذر من ذلك، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} [الحجرات:٢].

أيها المسلمون! إذا كان مجرد رفع الصوت على النبي يحبط العمل، فكيف بتنحية شرع النبي؟! واتهام شريعته بالقصور، والجمود، والرجعية، والتخلف؟! وزعم عدم قدرتها على مسايرة مدنية القرن العشرين أو مدنية القرن الحادي والعشرين؟! إن الأمة الآن -إلا من رحم ربك- لا تعرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، ولقد رأينا الأمة تحتفل بميلاد رسول الله، وبذكرى الإسراء والمعراج! فالأمة تحسن الاحتفالات الفارغة الجوفاء! ولا تحسن أن تعود عوداً حميداً جاداً على أرض الواقع إلى منهج هذا النبي العظيم؛ لتحول شريعته إلى واقع، فالأمة الآن تحكم القوانين التي وضعها مهازيل البشر! وقد نحت -في الوقت الذي تحتفل فيه بمولد رسول الله- شريعة سيد البشر، فهل هذا حب؟! وهل هذا صدق في المحبة؟ قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران:٣١].

وقال الشاعر: من يدعى حب النبي ولم يفد من هديه فسفاهةٌ وهراءُ فالحب أول شرطه وفروضه إن كان صدقاً طاعة ووفاء