العرض الثالث من أعراض الهزيمة النفسية: الدفاع عن الإسلام كمتهم في قفص اتهام، فالغرب يثيرون ثورات ضارية من آن إلى آخر بل في كل آن على الإسلام، ويثيرون عليه الشبهات والشكوك الكثيرة: الإسلام دين انتشر بحد السيف، الإسلام ظلم المرأة، فالزوج سجان قاهر والبيت سجن مؤبد، والأمومة تكافؤ حيواني، ولماذا تزوج الرسول بتسع؟ ولماذا يتزوج المسلم بأربع؟ ولماذا حرم الإسلام الاختلاط؟ ولماذا حرم الإسلام الخلوة؟ ولماذا فرض الإسلام الحجاب على المرأة؟ شبهات يثيرها الغرب وأعداء الإسلام من آن إلى آخر، فينبري فريق من المسلمين للرد على هذه الشبهات من منطلق: أن الإسلام فعلاً متهم في قصف اتهام، وهو في أمس الحاجة إلى أن ينصب لنفسه محامياً بارعاً ليدافع عنه، فتأتي الردود من هذا الباب هزيلة ضعيفة، لا يرد هذا الذي تولى الرد بعزة واستعلاء وبعقيدة وبثقة الإيمان كلا.
ولكنه يرد من باب أن الإسلام متهم وهو في قفص اتهام، وهو يريد أن يفتح له هذا الباب فيتكلم بضعف وبخنوع، والله عز وجل يقول:{وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ}[الكهف:٢٩] بمنتهى القوة والعزة والاستعلاء: {وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}[آل عمران:١٣٩] فتأتي الردود هزيلة لا تقوى ولا تصلح أبداً، سألتقط بعض هذه الردود لبعض الأعداء مرة أخرى ليأخذوا منها خيطاً لينسجوا على غراره أو من جنسه كلاماً أخطر وأدهى، فترى واحداً من هؤلاء يقول: لقد قال الشيخ فلان كذا وكذا، وقال الشيخ فلان كذا وكذا، ويخدع البسطاء، وأرى أنه من الجفاء أن أذكر هذا العرض الخطير ولا أذكّر بذاك المظهر المنير، فلا يحلو لي أن أسميه عرضاً ذلكم الموقف الذي يتألق عزة وثقة واستعلاء، إنه موقف ربعي بن عامر كلكم يحفظه ويعرفه، فوالله إننا في أمس الحاجة أن نستمع إليه كل لحظة، وأن نربي أبناءنا عليه، ربعي الذي دخل على رستم بمنتهى العزة والاستعلاء، وكلكم يعرف كيفية دخول ربعي، أرادوا أن يمنعوه ليدخل على قائد الجيوش الكسراوية الكبير، ليدخل عليه ربعي على قدميه، فأبى إلا أن يدخل على ظهر جواده، دعك من هذا وانظر إلى الحوار والكلمات والاستعلاء والعزة والثقة، وانظر إلى النصر المعنوي النفسي قبل كل ذلك.
يقول رستم: من أنتم؟ وما الذي جاء بكم؟ فيرد ربعي:[نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، أرسلنا الله بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه، فمن قبل منا قبلنا منه، ومن أبى وحال بيننا وبين دعوة الناس لدين الله؛ قاتلناه حتى نفضي إلى موعود الله؟].
قال رستم: وما موعود الله؟ قال ربعي: الجنة لمن مات شهيداً، والنصر لمن بقي منا على ذلك.
فقال رستم: لقد سمعت مقالتكم، فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر لتنظروا فيه ولننظر فيه؟ قال ربعي: لا.
قال: ولم؟ قال: لقد سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا نؤخر الأعداء عند اللقاء أكثر من ثلاث، فانظر في أمرك وأمرهم، واختر الأعلى لنفسك واحدة من ثلاث.
قال: ما هي؟ قال ربعي: إما الإسلام، وإما الجزية، وإمام القتال.
فقال رستم: أسيدهم أنت؟ أنت القائد؟ قال: لا.
ولكن المسلمون كالجسد الواحد يجير أدناهم على أعلاهم.
انظر إلى الاستعلاء، ثقة العزة التي فقدت الآن، ترى الواحد من هؤلاء في بلاد الكفر يمثل دولة، بل إن شئت فقل: يمثل أمة يتكلم وفي مجلسه تشرب الخمور ويستحي أن يقول: هذا حرام، بل والله لست مبالغاً إن قلت: يستحي ألا يمد يده ليدٍ آثمة تمتد إليه بكأس خمر حتى لا يتهم بأنه رجعي متخلف لا يفهم عن (الإيتيكيت) أي شيء، قمة الهزيمة، يستحي المسلم أن يقول: هذا حلال وهذا حرام، هذا حق وهذا باطل، هذه سنة وهذه بدعة، والسبب أنه مهزوم.