هذا فاروق الأمة عمر بن الخطاب الذي خرج من المدينة ليتسلم مفاتيح بيت المقدس، وجاء عمر بن الخطاب في موكب مهيب لكنه يتكون من رجلين اثنين، من عمر وخادمه، على ظهر دابة واحدة، يركب فاروق الأمة تارة، وينزل ليركب خادمه تارة أخرى، وينزل الخادم لتمشي الدابة وحدها تارة ثالثة.
وما أن وصل عمر إلى بيت المقدس إلا وكانت النوبة لخادمه، فأصر الخادم أن ينزل ليركب أمير المؤمنين، فرفض عمر وركب الخادم، وانطلق عمر بن الخطاب ليجر الدابة لخادمه وهو أمير المؤمنين، فلما أقبل أبو عبيدة بن الجراح قائد الجيوش في القدس في بلاد فلسطين ورأى عمر بن الخطاب يفعل ذلك قال: يا أمير المؤمنين! والله ما أحب أن القوم قد استكرهوك، لا أحب أن يراك القوم وأنت بهذه الحالة، وأنت في طريقك لاستلام مفاتيح بيت المقدس، فالتفت فاروق الأمة القوي إلى أبي عبيدة فقال:(أوه يا أبا عبيدة لو يقولها غيرك! يا أبا عبيدة! لقد كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله).
ويقف عمر بن الخطاب أمام بيت المقدس على أرض فلسطين ليكتب لهم الأمان الذي يسمى في التاريخ بالعهدة العمرية، ماذا قال عمر؟ قال:(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبد الله عمر بن الخطاب أمير المؤمنين أهل إيليا -أي: أهل بيت المقدس- من الأمان، أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم، فكنائسهم لا تسكن ولا تهدم، ومن أراد من أهل إيليا أن يخرج فعليه الأمان حتى يبلغ مأمنه، على ما في هذا العهد أقر عمر، فعليه ذمة الله ورسوله والخلفاء والمؤمنين).
ووقع على هذا العهد العمري: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان، في العام الخامس عشر من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، أعطى عمر للنصارى أماناً على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم.