إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم دبر خطة نفسية بارعة لقائد قريش أبي سفيان، فلما انطلق العباس قال له النبي:(يا عباس، اجعل أبا سفيان في مضيق الوادي حتى يرى جند الله وهي تمر عليه) ففعل العباس ما أُمر به، وجعل أبا سفيان في مضيق الوادي، وجعلت القبائل براياتها تمر عليهما، كلما مرت قبيلة برايتها سأل أبو سفيان العباس، حتى مر عليه النبي صلى الله عليه وسلم في قبيلته وفي كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار، وقد غطتهم الدروع لا يرى منهم إلا الأعين، فسأل أبو سفيان وقال: من هؤلاء يا عباس؟ فقال العباس: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتيبته الخضراء من المهاجرين والأنصار.
فوقع الرعب في قلب أبي سفيان وقال: والله ما لهؤلاء اليوم قبل ولا طاقة.
فقال له العباس: نعم.
فقال أبو سفيان: يا عباس، والله لقد أصبح اليوم ملك ابن أخيك عظيماً.
قال: إنها النبوة يا أبا سفيان.
فقال أبو سفيان: نعم.
فقال العباس: النجاة النجاة إلى قومك.
فانطلق أبو سفيان يسابق الريح إلى قومه، وإذا بأهل مكة يرون الجيش الزاحف يقترب رويداً رويداً، وتجمع الفرسان من الشباب والأبطال ينتظرون الأوامر من قادتهم وسادتهم، وإذ بهم يرون قائد القتال وسيد الميدان أبا سفيان يرجع بوجه آخر، فيصرخ فيهم أبو سفيان -وقد نجحت خطة النبي صلى الله عليه وسلم النفسية نجاحاً باهراً- فقال: يا معشر قريش! والله لقد جاءكم محمد بما لا قبل لكم به ولا طاقة، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
فوثبت إليه زوجته هند بنت عتبة آكلة اللحم والكبد، وأمسكت بشارب زوجها وصرخت في قومها وقالت: اقتلوا الحميت الدسم الأحمش الساقين، قبحت يا أبا سفيان من طليعة قوم اليوم.
فنظر إليها ولم يلتفت إلى سبابها، فإن الساعة ليست ساعة مراجعة، وقال: لا تغرنكم هذه من أنفسكم، والله لقد جاءكم محمد بما لا قبل لكم به ولا طاقة، فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن.
قالوا: قاتلك الله يا أبا سفيان! وما تغني عنا دارك يا رجل؟ قال -وتذكر ما أخبر به النبي-: ومن دخل بيته وأغلق عليه داره فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن، وفي رواية مسلم: ومن ألقى السلاح فهو آمن.