قال الله تعالى:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥].
وهذه هي النقطة الثالثة: منهج الدعوة هو منهج أنبياء الله جل وعلا، وهو الحكمة؛ فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
ووالله يا إخوة! لقد قرأنا التاريخ فما وجدنا على طول الخط إلا أن العنف يهدم ولا يبني، ويفسد ولا يصلح، والشدة تدمر ولا تعمر، فينبغي أن نتحرك، نحن لا نملك الآن إلا أن نحرك القلوب بكلام علام الغيوب، وكلام الحبيب المحبوب صلى الله عليه وسلم، أما أن يهتدي الناس أو لا فليس هذا من وظيفتك ولا من شأنك أما أن نحكم على الناس بجنة أو نار، ليس من شأنك وليس من شغلك:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}[الرعد:٧] هذا خطاب الله لسيد الدعاة عليه الصلاة والسلام: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}[العنكبوت:١٨] وإن لم تفعل فما بلغت رسالته {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:٢٧٢].
ما عليك إلا أن تتحرك بالدعوة خالصاً لله، أما أن يهتدي الناس أو لا يهتدون فهذا ليس من شغلنا ولا من شأننا، هذا هو شأن الملك الذي يملك القلوب بين يديه جل وعلا، ووالله لو استطاع داعية على ظهر الأرض أن يهدي أحداً من أقرب الناس إليه؛ لاستطاع سيد الدعاة أن يهدي عمه أبا طالب الذي كان حجر عثرةٍ وسدٍ منيع لسيوف المشركين في مكة.
دخل عليه وهو على فراش الموت -والحديث في الصحيحين - وعنده بعض المشركين، فقال له المصطفى صلى الله عليه وسلم:(يا عماه! قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله يوم القيامة، فقال له أهل الشرك: أترغب عن ملة عبد المطلب؟) فأبى أبو طالب أن ينطق الشهادتين، فماذا قال الحبيب، نهر الرحمة، وينبوع الحنان، وصاحب الخلق صلى الله عليه وسلم؟ قال:(لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزل قول الله جل وعلا: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}[التوبة:١١٣]).
انظروا إلى هذا المشهد العصيب الرهيب، ما استطاع النبي أن يهدي عمه، فما عليك إلا أن تتحرك بهذا المنهج الذي ما تركه الله ليجتهد فيه كل داعية كيف شاء! لا، المنهج محدد وواضح، معالمه بينه.
أمر من الله إلى سيد الدعاة:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥].