[المسلمون آلام وجراح]
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمد عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولا ً عن دعوته ورسالته، وصلَّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحيا الله هذه الوجوه الطيبة المشرقة، التي سيطول والله شوقنا إليها، وزكَّى الله هذه الأنفس التي انصهرنا معها في بوتقة الحب في الله، وشرح الله هذه الصدور العامرة التي جمعنا وإياها كتاب الله تعالى.
طبتم جميعاً أيها الآباء الفضلاء، وأيها الإخوة الأحباب الأعزاء وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا أن يجمعني وإياكم في هذا الملتقى المبارك -بدولة قطر المباركة- على طاعته، وأن يجمعني وإياكم في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله: بشرى وأمل! هذا هو عنوان محاضرتنا مع حضراتكم في هذه الليلة الميمونة المباركة.
بشرى وأمل! وقد يئن كثيرٌ من الأحبة الآن ويقول بلسان الحال، بل وربما بلسان المقال، ويمنعه الحياء أن يعلو وأن يرفع صوته بهذا ويقول: أية بشرى وأي أمل؟ أية بشرى تريد أن تضمد بها جراحنا الليلة؟ وأي أمل تريد أن تطمئن به قلوبنا الليلة؟ أية بشرى وأي أمل وبرك الدماء وأكوام الأشلاء تجسد الفجيعة وتحكي المأساة؟! أية بشرى وأي أمل وقد زال ظل الخلافة، وتمزقت الأمة إلى أجزاء، بل وتفتتت الأجزاء هي الأخرى إلى أجزاء؟! أية بشرى وأي أمل وقد بتر من جسد الأمة القدس الحبيب: أولى القبليتين، ومنتهى مسرى سيد الثقلين؟! أية بشرى وأي أمل وقد اتفق أعداء الإسلام على الرغم من اختلاف عقائدهم، و (أيديولجياتهم) ونظمهم وأفكارهم، ما اتفقوا على شيء بقدر ما اتفقوا على الكيد للإسلام، واستئصال شأفة المسلمين؟! أية بشرى وأي أمل وطلائع البعث الإسلامي الأبية تتعرض الآن لأشد الضربات وأعنف الهجمات؟!
ففي كل بلد على الإسلام دائرة ينهد من هولها رضوى وثهلان
ذبحٌ وصلب وتقتيل بإخوتنا كما أعدت لتشفي الحقد نيران
يستصرخون ذوي الإيمان عاطفة فلم يغثهم بيوم الروع أعوان
هل هذه غيرة أم هذه ضعة للكفر ذكر وللإسلام نسيان
أية بشرى وأي أمل والإبادة الجماعية للمسلمين في كل مكان في البوسنة، والشيشان، وطاجكستان، وتركستان، بورما، وكمبتسيا، وسيرلنكا، والفلبين، والهند، وفلسطين الذبيحة وفي كل مكان؟ أية بشرى وأي أمل وقد ذلت الأمة كلها بعد عزة، وجهلت بعد علم، وضعفت بعد قوة، وأصبحت تتأرجح في سيرها، بل ولا تعرف طريقها، بل وتعرضت الآن للذل والخزي والهوان والعار، وضربت من قِبَل أذل وأخس وأنذل وأحقر أمم الأرض؟! أية بشرى وأي أمل وقد أصبحت الأمة -كما ذكرت- قصعة مستباحة لأذل أمم الأرض، وتحولت إلى غثاء من النفايات البشرية على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية، وتفصل بينها الآن حدودٌ جغرافية، ونعراتٍ قومية مصطنعة، وترفرف على سمائها رايات القومية والوطنية، وتحكمها قوانين الغرب العلمانية، وتدور بها الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه؟ أهذه هي الأمة التي ذكرها الله عز وجل في قرآنه بالخيرية وعلل خيريتها بقوله: {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠]؟ وقد بات في الأمة الآن من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف، بل ولو رفعت صوتك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأصبحت متهماً تؤخذ بالنواصي والأقدام.
إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتعالي
صحفي يتهمني في إحدى المجلات ويقول: إنك إن جلست معه انهال عليك بسيلٍ من الأدلة من القرآن والسنة! هذه سبة؟! هذه تهمة؟!
إن قلت قال الله قال رسوله همزوك همز المنكر المتعالي
أو قلت قد قال الصحابة والألى تبعاً لهم بالقول والأعمال
أو قلت قال الشافعي وأحمد وأبو حنيفة والإمام الغالي
صدوا عن وحي الإله ودينه واحتالوا على حرام الله بالإحلال
يا أمةً لعبت بدين نبيها كتلاعب الصبيان في الأوحال
حاشا رسول الله يحكم بالهوى تلك إذاً حكومة الضلال
أية بشرى وأي أمل وقد تحولت الأمة الآن إلى هذا الحال، وبات فيها من يأمر بالمنكر وينهى عن المعروف؟! أهذه الأمة التي زكاها الله بالوسطية في قوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣] وقد جنحت الآن إلى اليسار أو اليمين، أو إلى الشرق أو الغرب؟ أهذه هي الأمة التي زكاها الله في القرآن بالوحدة فقال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢] وقد تشرذمت وتشتتت وتفتتت إلى أجزاءٍ ودويلات، بل وتفككت الأجزاء الأخرى إلى أجزاءٍ كما ذكرت؟ ما الذي جرى لأمةٍ دستورها القرآن؟ ما الذي حدث لأمةٍ نبيها محمد عليه الصلاة والسلام؟ ما الذي بدل عزها؟ ما الذي بدل علمها؟ ما الذي أذلها لمن كتب الله عليهم الذل والذلة من إخوان القردة من أبناء يهود؟ أية بشرى وأي أمل؟؟!! أبعد هذا كله تريد أن تقدم لنا في هذه الليلة بشرى وأمل بعد أن بدأت أول ما بدأت بالعزف، على وتر الجراح والآلام؟ هل عندك بعد ذلك من بشارات؟ هل عندك بعد ذلك من آمال تريد أن تزفها الليلة إلينا؛ لتضمد الجراح ولتطمئن القلوب؟