للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصوصية الإسلام حال الاقتران بالإيمان]

وهكذا أيها الأحباب نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل الإيمان جزءاً من أجزاء الإسلام في هذا الحديث، في الوقت الذي يطلق فيه لفظ الإسلام مفرداً من غير أن يقترن بلفظ الإيمان, وهكذا: إذا أطلق لفظ الإسلام وحده دون أن يقترن بلفظ الإيمان، فإن الإسلام في هذه الحالة يراد به الدين كله، أصوله وفروعه من الاعتقادات والأقوال والأفعال.

وهذه هي الحالة الأولى لمرتبة الإسلام.

الحالة الثانية: إذا أطلق لفظ الإسلام مع لفظ الإيمان، فإن الإسلام في هذه الحالة يراد به الأقوال والأعمال الظاهرة, كما في الآية في سورة الحجرات في قول الله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} [الحجرات:١٤] ويوضح ذلك أيضاً أوضح بيان الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات رهطاً وأنا جالس عنده وترك النبي رجلاً -وقد وضحت الأحاديث الأخرى هذا الرجل وسمته وهو رجل من المهاجرين يقال له: جعيل , كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح - هو أعجبهم إليّ يقول سعد: فقلت: مالك عن فلان يا رسول الله؟ -أي: لماذا لم تعط فلاناً يا رسول الله؟ - والله إني لأراه مؤمناً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً، يقول سعد: فسكت، ثم غلبني ما أعلم من الرجل, فقمت وقلت: يا رسول الله: ما لك عن فلان؟ والله إني لأراه مؤمناً, فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أو مسلماً, يقول سعد: فسكت، ثم غلبني ما أعلم من الرجل فعدت وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: يا سعد! والله إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه، خشية أن يكبه الله في النار).

ويوضح ذلك أيضاً أوضح بيان حديث جبريل عليه السلام، والذي رواه مسلم وغيره من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل لما جاء وسأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (يا محمد: أخبرني عن الإسلام؟ قال صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً, قال: صدقت -يقول عمر راوي الحديث-: فعجبنا له يسأله ويصدقه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) إلى آخر هذا الحديث المبارك.

وهكذا أيها الأحباب: يتضح لنا أن الإسلام إذا أطلق مع الإيمان فإن الإسلام في هذه الحالة يراد به الأعمال والأقوال الظاهرة: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا} [الحجرات:١٤].

وهذه هي الحالة الثانية لمرتبة الإسلام.

إذاً: عرفنا الآن الإسلام إذا أطلق مفرداً, وعرفنا الإسلام إذا قرن بالإيمان, الإسلام إذا قرن بالإيمان فيراد بالإسلام حينئذٍ الأقوال والأعمال الظاهرة.