[جراح المسلمين في أفغانستان]
الحمد لله ذي الملك والملكوت، الحمد لله ذي العزة والجبروت، الحمد لله الذي بنصره وبتمام قدرته وكمال عظمته أنهى على أرض أفغانستان آمال الروس القياصرة، الحمد لله الذي أذل بالموت رقاب الروس الجبابرة، فنقلهم بالموت من القصور في الكرملن إلى القبور في أرضه وتحت طيات التراب، نقلهم من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة النساء والبغايا والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في العذاب والوحل والتراب.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي العزيز، الفعال لما يشاء إذا شاء كيف يشاء في الوقت الذي يشاء، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦] لا راد لحكمه، ولا معقب لأمره، ولا مانع ولا حائل لنصره جل وعلا، {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} [الأنعام:١٧ - ١٨] سبحانه وتعالى جل عن الشبيه وعن المثيل والنظير، لا كفء له ولا ند له، ولا شبيه له ولا مثيل له: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:١ - ٤].
(إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام، يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل النهار قبل عمل الليل، وعمل الليل قبل عمل النهار، حجابه النور أو النار لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، وصفيه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وقف في ميدان الوغى وساحة الشرف في ميادين الرجولة والبطولة يوم خرست الألسنة، ونطقت السيوف، وخطبت الرماح على منابر الرقاب، وقف ابن عبد الله صلى الله عليه وسلم يقول بأبي هو وأمي: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).
اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه، فهو الذي علم الأمة الكرامة والشهامة، والرجولة، ويوم أن غابت الأمة عن تعاليمه أذلها الله جل وعلا! اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، وسار على طريقه، واتبع سنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام! لقد كان من المنتظر أن يكون لقاؤنا اليوم هو اللقاء السابع من دروس سورة النور، ولكن يجب علينا أن نكون على مستوى أحداث أمتنا المكلومة المجروحة، فآثرت أن نطير سوياً على جناح السرعة لأمر الله جل وعلا إلى أرض أفغانستان الطاهرة إلى جبال أفغانستان وروابيها التي رويت بدماء الأبرار الأطهار إلى أرض المليون شهيد التي روت بدمائهم جبالها وصحاريها لإعلاء كلمة الله جل وعلا.
أيها الأحباب! لقاؤنا اليوم بعنوان: أفغانستان جراح وآمال.
بأي الجراح أبدأ؟ وعن أي الجراح سأتكلم؟ عن جراح المليون شهيد أم عن جراح المرأة التي غاب عنها زوجها أم عن جراح الأم التي كلم قلبها بموت شهيدها أم عن جراح الطفل الذي رأى أمه تقتل وتذبح ذبح الخراف أمام عينيه وبين يديه فراح يلتقم ثديها وقد فارقت الحياة، عن أي الجراح سأتكلم؟ هل سأتكلم عن جراح أفغانستان أم سأتكلم عن جراح أمة المسلمين التي تعتبر أفغانستان جزءاً مشلولاً من هذا الجسد الكبير الذي نزف وطال نزيفه، ومرض وغاب مرضه، وخدر وغاب تخديره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم؟! عن أي الجراح سأتكلم؟ هل أتكلم عن جراح المسلمين في يوغوسلافيا على أيدي الصرب الفجرة الكفرة الذين انقضوا على المسلمين والمسلمات بالسلاح الأبيض، يقطعون أثدية النساء، ويذبحون الرجال على مرأى ومسمع من الدنيا؟ أين مجلس الأمن؟ وأين هيئة الأمم؟ هل هذا حرام على المسلمين حلال للفجرة الكفرة؟! لا حول ولا قوة إلا بالله.
لا إله إلا الله! المسلمون يذبحون ذبح الخراف على كل بقعة من أرض الله جل وعلا، في يوغسلافيا في كشمير في الفلبين، حتى في كثير من الدول العربية المسلمة -إنا لله وإنا إليه راجعون- امتلأت السجون والمعتقلات، ولا حول ولا قوة إلا برب الأرض والسماوات.
ما الذي جرى وما الذي حدث؟ أيها الأحباب! عم البلاء، واشتد الابتلاء، واشتد سواد الليل، وهذه بشائر النصر بإذن الله، فإن أشد ساعات الليل سواداً هي الساعة التي يليها ضوء الفجر، وفجر الإسلام قادم لا محالة، {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:٨] {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة:٣٣]، ووالله لن تستطيع جميع الأفواه ولو اجتمعت على أن تطفئ نور الله جل وعلا فهل يضر السماء نبح الكلاب؟! سقطت ذبابة حقيرة على نخلة تمر عملاقة، وهمت الذبابة بالانصراف، فقالت الذبابة الحقيرة للنخلة العملاقة: أيتها النخلة! تماسكي فإني راحلة عنك، فقالت لها النخلة العملاقة: انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة، وهل أحسست بك حينما سقطت علي لأستعد لك وأنت راحلة عني؟! إن جميع الأفواه لن تستطيع إطفاء نور الله ولو اجتمعت: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف:٨].