ثالثاً: أن نؤمن بالصفات بلا تعطيل، لا كما قال أستاذنا في قوله:{وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً}[الفجر:٢٢] فهو عطل صفة المجيء عن الله عز وجل وقال: لا مجيء لله أبداً، ولكننا نقول: إن أهل السنة والجماعة يقولون: بأنه ينبغي أن نؤمن بالصفة بدون تعطيل، فقد أثبت الله لنفسه المجيء، وأثبت لنفسه الدنو، فنؤمن بهذه الصفات بدون تعطيل، لماذا؟ لأن تعطيل الصفة عن الموصوف يعني أن الموصوف لا وجود له -أنا أنفي صفة عن شيء إذاً: لا وجود لهذا الشيء- لأنه لا تمنع الصفة ولا تحجب إلا عن العدم المحض، كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم: لا تنفى الصفة إلا عن عدمٍ محضٍ، فنحن نؤمن بالصفات بدون تعطيل، فنقول:{وَجَاءَ رَبُّكَ}[الفجر:٢٢] أي: أثبت الله لنفسه المجيء، ولكن نقول: جاء ربك مجيئاً يليق بكماله وجلاله، فكل ما دار في بالك فالله بخلاف ذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى:١١] لا تدركه العقول، ولا تكيفه الأفهام، فنؤمن بالصفات بدون تعطيل.
أما ما قال أستاذنا في قول الله جل وعلا:{إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[الفجر:١٤] أي أن الله معك في كل مكان، على إطلاق العبارة هكذا، فلو ذهبت إلى الخمارة لوجدت الله هنالك، فإن هذا كلامٌ خطير، وإنما مذهب أهل السنة والجماعة في هذه العبارة أن الله جل وعلا ذاته لا تشبه ذوات المخلوقين، وإذا قلنا: إن الله موجودٌ في كل مكان على إطلاقها لجعلنا ذات الله في أماكن القاذورات والنجاسات، ولقلنا كما قال أهل الحلول والاتحاد، ولكن ينبغي أن نقول: الله جل وعلا بعلمه في كل مكان، أي: بإحاطته في كل مكان، أو الله مع الناس أو مع مخلوقاته في كل مكان بعلمه وقدرته وإرادته وقهره وإحاطته وسلطانه، ولا نجعل ذات الله في أماكن النجاسات أو أماكن القاذورات أبداً.
وكذلك في قوله جل وعلا:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] يقول الجهم بن صفوان عليه لعنة الله، هذا الذي كان قائداً للمعطلة: لو وجدت سبيلاً لإزالة هذه الآية من المصحف لأزلتها وحككتها، وجعلت بدلاً من:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥](الرحمن على العرش استولى) وقال جهم كما قال أسلافه من اليهود حينما قال الله جل وعلا لهم: {وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ}[البقرة:٥٨] أي: حط عنا ذنوبنا {نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ}[البقرة:٥٨] فخالف اليهود أمر الله، فبدلاً من أن يدخلوا الباب سجداً دخلوه وهم يزحفون على أستاههم، أي: على مقاعدهم، وبدلاً من أن يقولوا: حطة أي: حط عنا خطايانا، استهزءوا بكلمة الله فقالوا: حنطة.
فمذهب أهل السنة والجماعة في هذه الآية:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥] أي: استوى كما أخبر، وعلى الوجه الذي أراد، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته والكرسي وعظمته الكل محمولٌ بلطف قدرته، مقهور بجلال قبضته وكنت أقول معقباً على هذه العبارات في كل مرة أنه تعالى كان ولا مكان، ولقد قرأت والحمد لله أن هذه العبارة خطأ شنيع أيضاً.
وأسأل الله أن يغفر لي ما مضى، فقد قرأت أن ابن تيمية قال: بأن لفظة: (كان الله ولا مكان) عبارة خاطئة، وإنما الصحيح أن يقال: كان الله ولم يكن شيءٌ قبله.
فأسأل الله أن يغفر لي ما مضى، وأن يغفر لأستاذنا، وأن يغفر لجميع المسلمين، وكما قلت وأقول: والله ما أردت بهذا إلا النصح، وما أردت بهذا إلا أن أبين للناس.
اللهم صل وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله تعالى وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله من أن أذكركم به وأنساه.