وقد يقول بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يحارب وإنما كان يترك الصحابة يقتحمون المعارك وهو قاعد وراءهم، وهذا غير صحيح، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم من أوائل من يقتحمون المعارك وفي أوائل الصفوف، بل كان في معركة حنين كما ورد في البخاري ومسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما شبت الفتنة بين صفوف المسلمين أراد أن يثبتهم، فوقف وشهر سيفه في السماء يقول:(أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) يكررها.
بل قال علي بن أبي طالب -كما في الحديث الصحيح المخرج عند البخاري ومسلم - يقول:(كنا إذا حمي الوطيس واشتدت المعركة اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم)، أي: نختبئ خلفه ونحتمي به.
ومرة كان علي يتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم ويفتخر بقوته ويقول له: لا يوجد فارس يقدر على مصارعتي يا رسول الله! كانوا يتباهون بالقوة في الحق، وليس في ظلم العباد وفي الطغيان على خلق الله أبداً، وإنما في معارك الشرف ومعارك البطولة والفداء، فكان سيدنا علي من أعظم فرسان المسلمين، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هناك فارس وراء هذا الوادي فاذهب وصارعه، فذهب سيدنا علي فوجد في هذا الوادي فارساً ملثماً، قال له: أنت الفارس الذي أخبرني عنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال نعم، قال له: هيا إلى النزال والصراع، فصرعه هذا الفارس وأوقعه على الأرض، قال له: الثانية، فصرعه هذا الفارس وأوقعه على الأرض، قال له: الثالثة، فصرعه وأوقعه على الأرض، قال له: والله إن الأمر ليس بأمر عادي! فكشف اللثام فوجده رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان قوياً، بل ورد في الحديث الصحيح المخرج أيضاً عند البخاري ومسلم: أنهم وهم في المدينة سمعوا صوتاً شديداً فخرجوا بالليل، وكانت هناك نار مشتعلة، وبمجرد ما وصلوا عند هذا الصوت وجدوا النبي صلى الله عليه وسلم قد سبقهم، فقد ركب فرس أبي طلحة من غير سرج، أي: من غير أن يكون على ظهره شيء، ثم ناداهم وقال لهم: لم تراعوا لم تراعوا، يعني: ارجعوا لا شيء، لقد أطفأها الله عز وجل، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن جباناً ولا ضعيفاً كما اتهمه بذلك بعض المستشرقين! وقالوا: إنه كان يدفع صحابته في وسط ميادين المعارك ويتأخر! وهذا غير صحيح، بل وقف في يوم حنين وهو يقول:(أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) أي: من أرادني فهأنذا، فهل هناك قوة وعظمة بعد هذه القوة وهذه العظمة؟! صلى الله عليه وسلم.
وهذا وصف جامع لرسول الله صلى الله عليه وسلم قاله سيدنا هند بن أبي هالة:(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فخماً مفخماً، يتلألأ وجهه كتلألؤ القمر في ليلة البدر)، وهذا وصف موجز ودقيق لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.