للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عفة يوسف عليه السلام]

(كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ * وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف:٢٤ - ٢٥] انظروا إلى هذه الآية {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف:٢٥] جرى يوسف من بين يديها وجرت المرأة خلفه، وفي الآية الأولى قال: {وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ} [يوسف:٢٣] وفي هذه الآية يقول: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ} [يوسف:٢٥] وهذا دليل على أن يوسف قد قصد الباب الذي يستطيع أن يخلص منه وأن ينجو منه، ولكن المرأة أمام ضعفها وضعف شهوتها ما تركته، وإنما جرت خلفه وأمسكته من قميصه من الدبر؛ ليلتفت إليها وهي في كامل زينتها وأنوثتها وجمالها وطيبها وعطرها، إلا أن الله جل وعلا قد منَّ على يوسف حينما رأى يوسف ورأت المرأة سيدها -أي العزيز - وشاهداً معه، وبرَّأ الشاهد يوسف عليه السلام، بعد كيد المرأة المتقن المصحوب بالحب والحرص على يوسف.

{قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:٢٥] لا تريد له الموت، وإنما تريد أن يبقى يوسف أمام عينها لا يموت، ففي السجن قد تستطيع أن تصل إليه وأن تراه {إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يوسف:٢٥] أما الموت فلا، ولا تستحي المرأة بعد ذلك أن تعلن هذا الأمر علانيةً بتبجحٍ عجيبٍ ووعيدٍ غريب، أمام المجتمع النسوي الذي اجتمع في بيت امرأة العزيز، متعجباً كيف لامرأة العزيز وهي من هي في الشرف والحسب والنسب والجمال والمال والسلطان، أن تنظر إلى خادمها وعبدها وفتاها الذي هو في بيتها؟! وأعدت المرأة لهن المتكأ كما تعلمون، وجملت وزينت يوسف عليه السلام، وأمرته أن يخرج عليهن {وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} [يوسف:٣١] وهذا يدلنا على قدر الجمال الذي منَّ الله جل وعلا به على يوسف، ما هذا بشراً! إن هذا إلا ملكٌ كريم! وهنا أعلنت المرأة عن رغبتها بمنتهى الصراحة ومنتهى العلانية فقالت: {وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلِيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف:٣٢].