منذ اللحظات الأول رفع الإسلام شعار المساواة، فقال جل وعلا:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ}[الحجرات:١٣].
الله أكبر! منذ اللحظات الأولى والدين الإسلامي يقول: لا فضل لعربي على أعجمي ويؤصل لهذا الأصل العظيم، ففي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
وفي الحديث الذي رواه أحمد بسند صحيح والبيهقي في سننه من حديث جابر بن عبد الله قال:(خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في وسط أيام التشريق خطبة الوداع فقال: أيها الناس! ألا إن ربكم واحد، ألان إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى).
هذا هو الإسلام الذي يؤصل الإنسانية الواحدة، لا فرق بين لون ولون وجنس وجنس وأرض وأرض إلا بالتقوى والعمل الصالح {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:١٣].
وفي يوم فتح مكة وقف المصطفى صلى الله عليه وسلم ليؤصل هذا الأصل العظيم، كما في الحديث الذي رواه الترمذي من حديث أبي هريرة وقال: حديث حسن، ورواه الترمذي كذلك من حديث عبد الله بن عمر وقال: حديث حسن غريب، ولفظ حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم وقف يوم فتح مكة وقال:(أيها الناس! إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، ألا إن أباكم واحد، وإن آدم من تراب، فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، ورجل فاجر شقي هين على الله، وتلا النبي قول الله:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}[الحجرات:١٣]).
لقد جاء الإسلام ليسوي بين بلال الحبشي، وأبي ذر الغفاري، ومعاذ الأنصاري، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي، وحمزة القرشي، بل لما افتخر بعضهم بأنسابهم قال سلمان: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم فلما سمعها عمر بكى رضوان الله عليه، وقام لينشد بيت سلمان وهو يقول: أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم أيها الأحبة: لقد رفع الإسلام سلمان فارس ووضع الكفر الشريف أبا لهب، والسؤال الآن -وأعرني قلبك وسمعك لهذا السؤال-: هل ظلت هذه المبادئ الإنسانية التي جاءت بها حضارة الإسلام حبراً على ورق في أدراج حبيسة؟ هل ظلت حبراً على ورق حبست في أدراج كميثاق حقوق الإنسان في هيئة الرمم؟! أقصد: هيئة الأمم؟ هل ظلت هذه المبادئ السامية حبراً على ورق كميثاق حقوق الإنسان في هيئة الأمم؟ هل ظلت هذه المبادئ التي جاءت بها حضارة الإسلام حبيسة في البلد الذي نادى أول مرة بهذه المبادئ في المدينة المنورة كما حبست فرنسا مبادئ الثورة الحرة -كما زعمت- عن مستعمراتها وبلدانها ورعاياها؟ وهل قامت هذه الحضارة الإسلامية لتجسد هذه المبادئ بتماثيل وأصنام كاذبة فارغة كما فعلت أمريكا بتنصيب تمثال للحرية في وسط ميدان فسيح في نيويورك، يصدم الداخل للمدينة أول مرة؟ إن أمريكا نصبت تمثالاً للحرية وسط ميدان فسيح من ميادينها وخرجت أمريكا خارج أرضها لتلعن الحرية ولتسحق الأحرار الشرفاء الأطهار الأبرار!! هل فعلت حضارة الإسلام هذا؟ لا والله.
ما الدليل؟ اقرءوا التاريخ، وشهادة التاريخ أصدق شهادة، ماذا فعل الإسلام ليحول هذه المبادئ إلى منهج حياة وإلى واقع يسمع ويرى في دنيا الناس؟!! ولنستهل الأدلة العملية برائد حضارتنا وأسوتنا وقدوتنا المتجددة على مر الأجيال والقرون، بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي حول هذه المبادئ والمواثيق الشريفة التي نادى بها على أرض الواقع إلى منهج حياة، يشرق ويتألق سمواً وروعة وجلالاً.