للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تصوير الله ليوم الحسرة]

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم:٣٩] ماذا قال الله جل وعلا عن ذلك اليوم؟ ماذا قال الله جل وعلا عن يوم الحسرة، والقيامة، والندامة، عن يومٍ يعض الظالم فيه على يديه ويقول: يا ليتني وحدت الله حق توحيده، ويا ليتني عبدت الله حق عبادته، ماذا قال الله جل وعلا؟ يقول سبحانه وتعالى بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:١ - ٢].

بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ * وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ * وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ * وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ * وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ * وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ * وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:١ - ١٤].

بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ * يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ * كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ * وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ * يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ * وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ * يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} [الانفطار:١ - ١٩].

بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:١ - ٦].

بسم الله الرحمن الرحيم {إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا * بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا * يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة:١ - ٨].

{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} [مريم:٣٩] يوم القيامة، يوم الحسرة والندامة، يوم الزلزلة، {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ} [مريم:٣٩]، {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير:١] ذهب ضياؤها وضاع نورها.

{وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ} [التكوير:٢] أي: تناثرت من عقدها الفريد، ونظامها البديع.

{وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ} [التكوير:٣] {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً} [طه:١٠٥] فتكون كالعهن المنفوش.

{وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ} [التكوير:٤] والعشار هي النوق الحبالى في شهرها العاشر أغلى ما يملكه العربي، ولكنه يوم في القيامة لا يلتفت إليها ولا يهتم بها لأنه قد حل به ما يشغله عنها.

{وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ} [التكوير:٥] المفترس مع الأليف.

{وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ} [التكوير:٦] تفجرت بالنيران.

{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ * وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ * وَإِذَا السَّمَاءُ كُشِطَتْ} [التكوير:٧ - ١١] {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:٤٨].

{وَإِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ} [التكوير:١٢] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٣٠].

{وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ} [التكوير:١٣] أي: قربت للموحدين، للمؤمنين، للمخلصين، للمتقين، للمسلمين.

{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا أَحْضَرَتْ} [التكوير:١٤] وفي آية أخرى: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:٥] هذا هو اليوم الذي ينقلب فيه كل مسئول، هذا هو اليوم الذي ينقلب فيه كل معهود، هذا هو اليوم الذي سيفنى فيه كل موجود {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:٤٨] هذه مرحلة من مراحل هذا اليوم، مرحلة كلها فزع، مرحلةٌ كلها رعب، قال الله جل وعلا عنها: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [النمل:٨٧] ثم ماذا عن هذا اليوم؟ ثم ماذا عن يوم الحسرة والندامة؟ ثم ماذا عن قوله: ((وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ)) [مريم:٣٩] يأمر الله جل وعلا إسرافيل أن ينفخ في الصور لماذا؟ ليموت كل حيٍ على ظهر هذه الأرض، ليموت كل حيٍ في السماوات وفي الأرض إلا من شاء الله جل وعلا، فإذا ما أمر الله تبارك وتعالى إسرافيل بالنفخ في الصور: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر:٦٨] مات كل مخلوقٍ بعد هذه النفخة، مات كل حيٍ بعد هذه النفخة، ويأتي ملك الموت إلى الملك ويدور بين الله جل وعلا وبين ملك الموت هذا الحوار: يقول ربنا تبارك وتعالى لملك الموت: يا ملك الموت! من بقي؟ وهو أعلم سبحانه وتعالى! فيقول ملك الموت: يا رب! بقيت أنت الحي الذي لا تموت، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت وحملة العرش.

فيقول ربنا جل وعلا: ليمت جبريل وميكائيل، وهنا ينطق العرش ويقول: جبريل وميكائيل فيهتف الحق جل وعلا وينادي على عرشه ويقول: اسكت فإني كتبت الموت على كل من كان تحت عرشي، ليمت جبريل ويمت ميكائيل فيموتان.

ويأتي ملك الموت إلى الملك فيقول ربنا لملك الموت: يا ملك الموت! من بقي؟ فيقول ملك الموت والله أعلم بمن بقي: يا رب! قد مات جبريل وميكائيل وبقي إسرافيل وبقي حملة العرش وبقيت أنا، أما أنت فأنت حيٌ لا تموت.

فيقول الملك: يا ملك الموت! ليمت إسرافيل لام الأمر ولام العظمة ولام الإرادة ولام الذل والقهر {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠] ليمت إسرافيل فيأمر الله العرش أن يلتقم الصور.

فيقول الله جل وعلا لملك الموت: من بقي؟ وهو أعلم، فيقول: بقيتَ أنت الحي الذي لا يموت، وبقيتُ أنا وبقي حملة العرش، وعرش الرحمن غير محتاج إلى الحملة {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] استوى كما أخبر وعلى الوجه الذي أراد، وبالمعنى الذي قال، استواءً منزه عن الحلول والانتقاص، فلا العرش يحمله، ولا الكرسي يسنده، بل العرش وحملته، والكرسي وعظمته، الكل محمولٌ بلطف قدرته، مقهورٌ بجلال قبضته، فالاستواء معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعةٌ، ومن الله الرسالة وعلى الرسول البلاغ؛ لأنه تعالى كان ولا مكان، وهو على ما كان قبل خلق المكان لم يتغير عما كان، لا يحويه زمان، ولا يحده مكان، علم ما كان وما هو كائن وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل:٤٠].

فيقول الله لملك الموت: ليمت حملة العرش، فيموت حملة العرش ويبقى ملك الموت.

وهنا يقول الملك: يا ملك الموت! من بقي وهو أعلم.

فيقول: يا رب ما بقي إلا عبدك الذليل الضعيف الماثل بين يديك ملك الموت، فيقول الله جل وعلا لملك الموت: يا ملك الموت! وأنت خلقٌ من خلقي، خلقتك لما ترى، فمت يا ملك الموت، مات جبريل ومات إسرافيل، ومات ميكائيل، ومات حملة الع