[الأصناف التي يظلها الله بظل عرشه]
يظلهم الملك في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، لا أشجار ولا أنهار ولا بيوت، لا يستطيع الإنسان أن يأوي إلى أي ظل، والشمس فوق الرءوس، وينادي الحق تبارك وتعالى على هؤلاء السعداء، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عنهم في حديث صحيح رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة فقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل، وشاب نشأ في عبادة الله، ورجل قلبه معلق بالمساجد، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال: إني أخاف الله، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه).
اللهم اجلنا منهم بمنك وكرمك.
(إمام عادل): حاكم عادل عاش ليقيم العدل في الأرض، سعدت به رعيته، وسعد برعيته، كان يتقي الله في هذه الأمانة، ويعلم يقيناً أن الحكم والمنصب أمانة سيسأل عنها بين يدي الله، كما قال المصطفى لـ أبي ذر: (يا أبا ذر! إن الولاية أمانة، وإنها يوم القيامة حسرة وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها).
(إمام عادل) قضى الليل والنهار في أحوال رعيته؛ ليسعدهم فأسعدهم في الدنيا فسعدت به الرعية، وسعد هو بالرعية.
ووالله إني لأستحي من الله أن أتعرض لمجرد لفظ (إمام عادل) ولا أتحدث عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، ذلكم الفاروق الذي ملأ الدنيا عدلاً، فكان لا ينام الليل ولا النهار إلا النزر اليسير، ويقول: إذا نمت بالنهار ضيعت رعيتي، وإذا نمت بالليل ضيعت نفسي! فكان يتفقد أحوال الرعية، وهو الذي انطلق في يوم شديد الحرارة يجري وراء بعير من إبل الصدقة قد ند وجرى، فخرج عثمان بن عفان ينظر إليه من شرفة بيته، وهو يجري: يا ترى! من هذا الذي خرج في هذا الوقت الشديد الحرارة؟! من هذا الذي يجري على الرمال التي انعكست عليها أشعة الشمس فتكاد الأشعة المنعكسة أن تخطف الأبصار؟! فلما اقترب هذا الذي يجري من عثمان رأى عثمان أن الرجل الذي يجري هو أمير المؤمنين عمر! فقال عثمان: ما الذي أخرجك في هذه الساعة يا أمير المؤمنين؟! لماذا تجري؟! فقال عمر: بعير من إبل الصدقة قد ند يا عثمان وأخشى عليه الضياع، فقال عثمان: فتعال إلى الظل واشرب الماء البارد، وكلف أحد عمالك ليأتي لك بهذا البعير.
فقال عمر: عد إلى ظلك ومائك البارد، وهل ستحمل عني وزري أمام الله يوم القيامة؟! إنه الرجل الذي كان يرتجف قلبه أمام كل نعمة، وأمام كل ثوب، وأمام كل لقمة، ويقول لنفسه: ماذا أنت قائل لربك يا عمر؟! يا رافعاً راية الشورى وحارسها جزاك ربك خيراً عن محبيها رأي الجماعة لا تشقى البلاد به رغم الخلاف ورأي الفرد يشقيها إن جاع في شدة قوم شركتهمُ في الجوع حتى تنجلي عنهم غواشيها جوع الخليفة والدنيا بقبضته منزلة في الزهد سبحان موليها فمن يباري أبا حفص وسيرته أومن يحاول للفاروق تشبيهاً يوم اشتهت زوجه الحلوى فقال لها من أين لي ثمن الحلوى فأشريها ما زاد عن قوتنا فالمسلمون به أولى فقومي لبيت المال رديها كذاك أخلاقه كانت وما عهدت بعد النبوة أخلاق تحاكيها إمام عادل: هذا في ظل عرش الله جل وعلا يوم لا ظل إلا ظله.
(وشاب نشأ في عبادة الله): أيها الشباب! والله إن من سمع هذا الموضوع اليوم، ووقف مع بعض أهوال يوم الحشر، وعلم علماً يقينياً لا يتسرب إليه شك أن الله جل وعلا سيظله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، نشأ في عبادة الله، وانصرف عن معصية الله، وإن زلت قدمه في معصية تاب إلى الله جل وعلا وأناب؛ لينطبق عليه هذا الوصف: (شاب نشأ في عبادة الله) من علم ذلك من شبابنا أرجو الله عز وجل أن لا يتأخر لحظة عن طاعة الله سبحانه.
أيها الشباب! الطاعة شرف الطاعة عز، فلا عز في الدنيا والآخرة إلا بالطاعة، ولماذا الشاب؟! لأن الشاب تجري دماء الشهوة في عروقه؛ لأن الشاب -لاسيما في سن المراهقة وسن الفتوة- تعصف الشهوة بكيانه عصفاً، ولكنه خوفاً من الله ومراقبة لله يعصم نفسه ويحارب شهواته، ويحارب نفسه الأمارة خوفاً من الله وإجلالاً له وطاعة له، ولذا كافأ الله هذا الشاب الطائع، التقي، النقي، الطاهر الذي نشأ منذ نعومة أظافره يعبد الله، ويطيع الله، ويؤدي الصلاة، ويحفظ حقوق الله، ويمتثل أوامره ويجتنب نواهيه ويقيم حدوده، يكافئ الله هذا الشاب فيظله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
أسأل الله أن يمن على شباب الأمة بالهداية، وأن يوفقهم إلى الطاعة، وأن يظلهم في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
(ورجل قلبه معلق بالمساجد): معنى ذلك: أن قلبه في المسجد، إن صَلَّى الفرض وخرج إلى الدنيا ليسعى على رزقه من الحلال، أو عاد إلى بيته وأولاده، يخرج من المسجد وقلبه مشتاق أن يرجع إلى المسجد مرة أخرى، فهو متعلق بالمسجد يهوى الجلوس في بيت الله، بل يتمنى أن لو ييسر الله له الوقت ليقضي جُل وقته في بيت الله جل وعلا.
فيا أيها المسلم! يا من تقضي الوقت أمام المسلسلات والمباريات والأفلام!! لماذا لا تحرص على أن تقضي هذا الوقت في بيت الله جل وعلا؟! فإن بيت الله سبحانه إن تعلق قلبك به أظلك الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلاَّ ظله.
(ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه).
إنه الحب لله، (من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)، وإن آصرة الحب في الله هي أغلى آصرة، وإن رابطة الحب في الله هي أغلى رابطة، بل إن أحببت أخاً لك في الله لا من أجل دنيا ولا من أجل منصب ولا من أجل رئاسة، إن أحببت أخاً لك في الله تبارك وتعالى اسمع ما هي النتيجة: يقول الله سبحانه يوم القيامة -والحديث في الصحيحين-: (أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي).
وأشهد الله أنني أحبكم جميعاً في الله، وأسأل الله أن يجمعنا مع المتحابين بجلاله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
(ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) جمعهم الحب في الله ولم يتفرقا إلا على الحب في الله.
(ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال -أي: للزنا- فقال: إني أخاف الله): تذكر الله جل وعلا، وراقب الله سبحانه، وامتنع عن هذه الكبيرة خوفاً من الله جل وعلا، هذا يظله الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله.
(ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه): خلى بنفسه، قام من الليل، وجلس يصلي أو يذكر الله سبحانه وتعالى فلما امتلأ قلبه بهيبة الله وبعظمة الله، فاضت عيناه بالدموع خوفاً منه وهيبة له سبحانه.
(عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله).
فهذا الرجل الذي فاضت عينه بالدموع خوفاً من الله وخشية لله، من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.