وهذا هو فرعون هذه الأمة أبو جهل عليه لعنات الله بقدر ما آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى مسلم في صحيحه: أنه سأل إخوانه من صناديد الشرك يوماً وقال: أيعفر محمد وجهه بين أظهركم -يعني: يسجد محمد بين أظهركم-؟ واللات والعزى؛ لئن رأيت محمداً لأطأن على عنقه، ولأعفرن وجهه بالتراب، فسجد المصطفى صلى الله عليه وسلم، فجاء هذا الوغد الوقح يزعم أنه سيطأ بنعليه على رقبة رسول الله وهو ساجد، فلما اقترب من النبي عاد القهقرى -عاد إلى الوراء- وهو يجمع بيديه هكذا وهكذا، فلما وصل إلى إخوانه من أهل الشرك قالوا: ما بالك رجعت؟ فقال أبو جهل: والله إن بيني وبين محمداً لخندقاً وهولاً وأجنحة، فقال المصطفى:(والله لو دنا مني لتخطفته الملائكة عضواً عضواً).
هل تعرف نهاية أبي جهل؟ قتل في بدر، سقط وهلك في بدر، قتله صقران من صقور المسلمين، شابان في ريعان الشباب، اقتربا من عبد الرحمن بن عوف، وقال كل واحد منهما لـ عبد الرحمن: يا عماه! أين أبو جهل؟ فاستصغر عبد الرحمن بن عوف هذا الشاب الصغير، ماذا تريد من أبي جهل؟ فقال: سمعت أنه يسب رسول الله، والله لئن رأيته لأقلتنه، والتفت إلى يساره ووجد شاباً آخر يقول له مثل هذا الكلام، فلما رأى أبا جهل أشار إليهما فانقضا عليه كالصقرين، فقتلاه، وعادا في غاية الفرح والسرور إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول كل واحد منهما: أنا الذي قتلت أبا جهل، والآخر يقول: لا، بل أنا الذي قتلت أبا جهل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(هل مسحتما الدماء عن سيفيكما؟ قالا: لا، فأخذ النبي السيف الأول، وأخذ السيف الآخر، فنظر إلى دماء المجرم على السيفين فقال لهما: كلاكما قتله)، لم يحرم النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما من هذا الشرف.
وخلص ابن مسعود رضي الله عنه بعد ذلك على هذا المجرم، وأهلكه الله تبارك وتعالى، ورمي كالجيفة النتنة كما هو معلوم من كتب السير، هذه نهاية هذا المجرم الذي طالما سب وآذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
أيها الأحبة الكرام! أقول: والله ما تعرض أحد للمصطفى بسوء أو أذى إلا قصم الله ظهره، ودق الله عنقه، وأخزاه الله في الدنيا قبل الآخرة، وفي الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنهما قال:(كنا في غزوة ذات الرقاع، إذ رأينا شجرة ظليلة تركناها للنبي صلى الله عليه وسلم، فنام النبي ذات يوم تحت الشجرة، وعلق سيفه عليها، فجاء رجل مشرك فأخذ سيف نبي الله، وأراد أن يهوي بالسيف على النبي وهو نائم، فلما استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم نظر إليه والسيف على رأسه، فقال له هذا المشرك واسمه غورث بن الحارث: أما تخافني يا محمد؟ قال المصطفى: لا، فقال غورث: فمن يمنعك مني الآن؟ قال المصطفى: الله، فسقط السيف من يد هذا الرجل، فأخذ النبي السيف بيده وقال له: من يمنعك مني الآن؟ قال: كن خير آخذ يا محمد، فقال له المصطفى: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ فقال الرجل: لا، إلا أني أعاهدك أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى النبي صلى الله عليه وسلم عنه، فانطلق الرجل إلى قومه ليقول لهم: يا قوم! والله لقد جئتكم من عند خير الناس، من عند محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم).
فالله عز وجل هو الذي يحفظ نبيه، وهو الذي يدافع عن نبيه، ولا أريد أن أكثر من الأدلة في هذا الباب، فإنني أرى إخواني -جزاهم الله خيراً- يقفون في الشمس قبل أن أرتقي المنبر، أسأل الله أن يقيهم وأن يقينا معهم حر جهنم، وأن يتقبل منا ومنهم جميعاً صالح الأعمال، وأن يجمعنا هكذا في جنات النعيم مع سيد الرجال، إنه ولي ذلك والقادر عليه.