قلوب الصالحين رزقها الله تبارك وتعالى صفات جليلة عظيمة كريمة، وأعظم هذه الصفات أيها الأفاضل أنهم أصحاب قلوب سليمة، ففتش أيها الصالح في سلامة قلبك، فوالله لا نجاة لك في الدنيا والآخرة إلا بقلب سليم، قال تعالى:{يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}[الشعراء:٨٨ - ٨٩] ما القلب السليم؟ قال ابن القيم رحمه الله: لا يسلم القلب حتى يسلم من خمسة أشياء: حتى يسلم من شرك يناقض التوحيد، ومن بدعة تناقض السنة، ومن غفلة تناقض الذكر، ومن شهوة تناقض الأمر، ومن هوى يناقض الإخلاص.
فقلوب الصالحين قلوب سليمة، سلمت من الشرك، سلمت من الشك، سلمت من الغل، سلمت من الحقد، سلمت من الحسد، سلمت من البدع، سلمت من الغفلة، سلمت من الشهوة، سلمت من الهوى، ففتش عن هذه الصفات في قلبك أيها الحبيب، وفتشي يا أختاه عن هذه الصفات؛ لنعلم لماذا تأخر النصر؛ ولنعلم لماذا هزمت الأمة، فالله تبارك وتعالى لا يجامل أحداً من خلقه مهما ادعى هذا المخلوق لنفسه من مقومات المجاملة والمحاباة.
لقد غضب المسلمون يوم هزموا في أحد وقالوا: كيف نهزم وعدونا هم المشركون! كيف نهزم وقائدنا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم! وكان الجواب أيها الأحبة في قول الله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ}[آل عمران:١٦٥].
فتش في نفسك! فتش في قلبك! فتش في عملك! فتش في حالك! والله ما هزمت الأمة إلا يوم أن انحرفت عن منهج الله، والله ما هزمت الأمة إلا يوم انحرفت عن عقيدة التوحيد بشمولها وكمالها وصفائها وجلائها، إلا يوم أن سلكت درباً بعيداً عن درب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال جل وعلا:{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الأنفال:٥٣] وقال جل وعلا: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ}[الرعد:١١].
فسلامة القلب أيها الأفاضل هي الخطوة العملية الأولى على الطريق، والله لن تنصر الأمة أبداً بمظاهرات، ولا بحرق أعلام أو ماكتات، ولا بنشاط صحفية ساخنة، ولا بمؤتمرات هنا أو هناك، وإنما ستنصر الأمة إن جددت إيمانها بالله، وإن صححت معتقدها في الله، وإن سارت من جديد على درب سيدنا رسول الله، ورددت مع السابقين الصادقين الأولين قولتهم الخالدة:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}[البقرة:٢٨٥].
واسمحوا لي أن أقول: إن عقيدة التوحيد أيها الأفاضل قد ذبحت اليوم في الأمة شر ذبحة، وعقيدة التوحيد هي الخطوة العملية الأولى على طريق النصر، ولا ينبغي أن نترك التوحيد في أي مرحلة من مراحل البناء، لأن التوحيد لا ينتقل منه إلى غيره، بل ينتقل معه إلى غيره في كل خطوة على الطريق، وفي كل مرحلة من مراحل البناء والإعداد والتعمير.
فقلوب الصالحين قلوب سليمة، ولا أريد أن أطيل في كل صفة، وإلا فوالله لو أطلت النفس مع كل صفة لاحتجت إلى محاضرة كاملة، نسأل الله جل وعلا أن نكون منهم بمنه وكرمه.