تعلموا -أيها الأخيار- من أصحاب النبي المختار الذين فهموا أن الانتماء لدين الله جل وعلا يستوجب أن يبذل الواحد منهم أقصى ما في طاقته من جهد لهذا الدين، هذا هو صدِّيق الأمة الأكبر وأسألكم بالله أن تتدبروا هذه النماذج، فأنا لا أسوقها لمجرد الثقافة الذهنية الباردة، ولا من أجل التسلية وتضييع الوقت، بل أسوق هذه الأمثلة ليقف كل واحد منا مع نفسه الآن؛ ليسأل نفسه بعد هذه الخطبة: ماذا قدمت أنا لدين الله جل وعلا؟ هذا صديق الأمة الأكبر، شرح الله صدره للإسلام؛ فنطق بالشهادتين بين يدي رسول الله، وعلى الفور.
يستشعر مسئوليته تجاه هذا الدين، أنا أسألكم بالله: ما الذي تعلمه أبو بكر في هذه الدقائق من رسول الله سوى الشهادتين؟! مع سماعه لكلمات يسيرة جداً من المصطفى، ومع ذلك يستشعر مسئوليةً ضخمةً تجاه هذا الدين بمجرد أن ردد لسانه الشهادتين، فيترك الصديق رسول الله وينطلق ليدعو، ليدعو بماذا؟ والله ما عكف على طلب العلم سنوات لينطلق بعد ذلك للدعوة، ولكن بالقدر الذي أعطاه الله من النور خرج وهو يستشعر مسئوليته الضخمة لهذا الدين، ليست العبرة بالمحاضرات الطويلة الرنانة المؤثرة، والله يا أخي لو علم الله منك الصدق والإخلاص، وتكلمت كلمة واحدة لحركت كلمتك القلوب، فكم من محاضرات لا تحرك ساكناً، اللهم ارزقنا الإخلاص في القول والعمل، فالإخلاص والصدق هما اللذان يحركان القلوب، الكلمة إن كانت صادقة وإن كانت مخلصة ولو كانت يسيرة قليلة تحيي القلوب الموات، قال الشاعر: بين الجوانح في الأعماق سكناها فكيف تنسى ومن في الناس ينساها الأذن سامعة والعين دامعة والروح خاشعة والقلب يهواها والسر هو: الصدق والإخلاص، تحرك الصديق بكلمات يسيرة جداً، هل تصدق أيها المسلم أن الصديق بهذه الكلمات المخلصة الصادقة قد عاد إلى النبي في اليوم التالي لإسلامه بخمسة من العشرة المبشرين بالجنة؟! إنها بركة الدعوة وبركة الحركة والجهد لدين الله، ما قال: لا، تحرك بالقدر الذي من الله به عليك من علم في الدين، من علم في الدنيا، من علم في أي جانب، استغل مركزك ومنصبك لدين الله سبحانه، المهم أن ترى في قلبك هماً لدين الله، المهم أن تفكر كيف تعمل شيئاً لدين الله سبحانه.