[التحذير من أهل الأهواء]
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.
فاللهم! اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ودعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الإخوة الفضلاء! وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم جميعاً من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته، أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! (الحرب على الثوابت)، سلسة منهجية جديدة قد تحتاج إلى عشرة لقاءات إن قدر الله لنا اللقاء والبقاء، أفند فيها شبهات حقيرة خطيرة تثار الآن ضد الإسلام، لا على الفرعيات والجزئيات، بل على الثوابت والأصول والكليات، ولا يتولى كبرها المستشرقون كما كان الحال قديماً، بل يتولى كبرها ويشعل نيرانها الآن رجال من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وينتسبون زوراً لإسلامنا.
وصدق ربي إذ يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٤ - ٢٠٦].
وقد وصف الصادق الذي لا ينطق عن الهوى هذا الصنف الخبيث وصفاً دقيقاً في حديثه الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم من حديث حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم.
قلت: فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم.
وفيه دخن.
قلت: وما دخنه يا رسول الله؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر.
قلت: فهل بعد ذلك الخير -أي: الذي شابه الدخن- من شر؟ قال: نعم.
دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها.
قلت: صفهم لنا يا رسول الله.
قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا)، وفي رواية مسلم قال: (رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس).
وبكل أسف يسمون في بلاد المسلمين الآن بالنخبة من أصحاب الفكر والأدب والفن، ويفاض عليهم من الدعاية الكاذبة ما يغطي انحرافهم ويستر جهلهم، وينفخ فيهم ليكونوا شيئاً مذكوراً للي أعناق البسطاء من المسلمين إليهم لياً، وهم في الحقيقة كالطبل الأجوف يسمع من بعيد وباطنه من الخيرات خال.
فما نال سلمان رشدي جائزة الدولة النمساوية إلا إيماناً بآياته الشيطانية، تلك النخبة من أصحاب الشذوذ الفكري التي رفعت الآن على الأعناق، بل وعلمت أن أقصر طريق للوصول إلى الشهرة الكاذبة هو النيل من ثوابت وأصول الإسلام، وما حصل الطاهر بن جولون على جائزة الجنكور الفرنسية إلا لروايته الخبيثة التي أسماها (ليلة القدر)، وما نال نجيب محفوظ جائزة نوبل إلا لـ (أولاد حارتنا)، وما نال نصر أبو زيد هذه الشهرة العالمية، وبكى عليه الحاقدون على الإسلام من أمثاله، ما بكوا عليه الدموع مدراراً إلا يوم أن تطاول على ثوابت الإسلام ودك أصوله من أولها إلى آخرها.
نخبة أصيبت بشذوذ فكري، والمصيبة الكبرى أنهم يعلنون الحرب على ثوابت الإسلام وأصوله تحت شعار مزيف يسمى بشعار (حرية الفكر والرأي)، وتحت شعار فتح آفاق المعرفة والخروج من الظلامية والرجعية والانغلاقية والتعصب والتزمت.