للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من علامات الساعة الصغرى الحصار الاقتصادي على العراق]

العلامة الأربعون -وأرجو أن تعيروني القلوب والأسماع جيداً- الحصار الاقتصادي على العراق، هذه علامة من العلامات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، ووقعت هذه العلامة في هذه السنوات القليلة الماضية بمثل ما أخبر به النبي الصادق تماماً، وصدق ربي إذ يقول: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].

ففي الحديث الذي رواه مسلم قال: حدثنا زهير بن حرب وعلي بن حجر واللفظ لـ زهير قالا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن الجريري عن أبي نضرة قال: كنا عند جابر بن عبد الله رضي الله عنهما فقال: (يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم.

قلنا: من أين ذاك؟ قال: العجم يمنعون ذلك، ثم قال: يوشك أهل الشام ألا يجبى إليهم دينار ولا مدي.

قلنا: من أين ذاك؟ قال: الروم -تدبر! قال في أهل العراق: العجم، وقال في أهل الشام: الروم يمنعون ذاك- ثم سكت هنيهة، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يكون في آخر أمتي خليفة يحثو المال حثواً ولا يعده عداً) قلت لـ أبي نضرة -والقائل الجريري -: أترى أن هذا الخليفة هو عمر بن عبد العزيز؟ قال: لا.

ومن المعلوم أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لم يكن في عهده حصار من أي نوع من الأنواع للعراق أو للشام أبداً، بل كانت العراق تشهد عزة وكرامة في أيام الخلافة الراشدة.

إذاً: هذا الخليفة الذي تحدث عنه الحديث هو المهدي عليه السلام بلا نزاع.

هذا الحديث المهم الذي رواه مسلم، له حكم الرفع للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصحابي لا يتكلم في أمر من أمور الغيب من عند نفسه، وإنما بكلام مسموع من الصادق عليه الصلاة والسلام.

هذا الحديث يتضمن ثلاثة أخبار من أخبار الغيب والمستقبل: الأول: حصار على العراق.

الثاني: حصار على بلاد الشام.

ومعلوم أن بلاد الشام تشتمل على: سوريا ولبنان والأردن وفلسطين، هذه البلدان يطلق عليها بلاد الشام، ولكن الاستعمار قسم ومزق وشتت الشمل، ووضع الحدود، ودق المسمار البشع الذي يسمى مسمار الحدود بين الدول الإسلامية.

الثالث: خليفة يخرج في آخر الزمان يحثو المال حثواً.

وأرجو أن تركزوا معي جيداً في أن الأحداث الثلاثة قد ذكرت في حديث واحد متوالية: حصار للعراق، وحصار للشام -وحصار الشام الآن موجود، حصار على سوريا، وحصار على فلسطين- ولاحظ أن الحديث يقول: (ثم سكت هنيهة)، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يخرج في آخر الزمان خليفة يحثو المال حثواً، ولا يعده عداً) فالأحداث الثلاثة متتابعة متتالية.

نعود مرة أخرى إلى كلمات الحديث: (يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم)، تعبير في غاية الدقة عما يحدث الآن للعراق، والذي يسميه الإعلام الغربي والعربي: الحصار الاقتصادي العالمي للعراق.

قوله: (يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم قفيز ولا درهم) القفيز: هو المكيال المعروف عند أهل العراق، وهو مكيال يكيل فيه أهل العراق الحبوب، والدرهم هو المعروف.

(يوشك أهل العراق أن لا يجبى إليهم قفيز ولا درهم) سبحان الله! من المعلوم أن الحصار الاقتصادي إذا ضرب على بلد فإنه يمنع عن هذا البلد الطعام والميرة، لكن الحديث يقول: (ولا درهم)! وأنتم تعلمون أن أمريكا قد جمدت أموالاً طائلة للعراق بعد أحداث الكويت، فجُمد مال العراق خارج العراق في بنوك الشرق والغرب، ومنع العراق من ماله (ألا يجبى إليه قفيز) أي: لا طعام ولا شراب ولا غذاء ولا دواء، ولعل المتابع منكم قد سمع بالأمس القريب فقط تصريحاً خطيراً جداً لرئيس لجنة المساعدات الإنسانية في العراق، وهو: أن الحصار الاقتصادي على العراق طيلة السنوات الماضية يتسبب في قتل ستة آلاف شخص في كل شهر! وبكل أسف أصبحت أخوتنا الإيمانية أخوة باردة باهتة، فأصبحنا نسمع مثل هذه الأحداث ولا تتحرك جوارحنا، ولا تحترق قلوبنا؛ لأن الأخوة أصبحت باردة باهتة، لم تلفحها حرارة الإيمان بالله جل وعلا، قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠]، فإن وجدت أخوة بلا إيمان فاعلم أنها التقاء لأجل مصالح، وتبادل منافع فحسب، وإن وجدت إيماناً بلا أخوة صادقة فاعلم أنه إيمان ناقص؛ لأن الأخوة ثمرة حتمية للإيمان، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:١٠].

هذا الحصار الظالم يتسبب في قتل ستة آلاف مسلم ومسلمة من أهل العراق في كل شهر!! قمة الظلم.

(يوشك أهل العراق ألا يجبى إليهم) قمة الدقة في التعبير، فإن لفظة (يوشك) أدق من لفظة (الحصار الاقتصادي) لماذا؟ لأن الحصار يقتضي حصر البلد المحاصر تماماً، وأنتم تعلمون أن الحصار قديماً كانت له صورة معلومة واحدة، وذلك أن كل مدينة من المدن المستهدفة كانت تحيط بنيانها بأسوار من كل ناحية، فكانت الدولة المعتدية إذا أرادت أن تحاصر مدينة من المدن جرت الجيوش الجرارة، وحاصرت هذه المدينة من جميع نواحيها، أو من ناحية، أو من ناحيتين، وفرضت حصاراً على هذا البلد فلا يدخل إليها طعام، ولا يخرج منها أحد حتى تستسلم هذه المدينة للدولة المعتدية، هذه صورة الحصار القديمة، لكن تدبر لفظة (يوشك) ولم يقل: (يحاصر)؛ لأن الحصار المفروض الآن على العراق ليس حصاراً كلياً، وإنما هو حصار مكسور من بعض الدول، ومن بعض عصابات المافيا التي تبيع الأسلحة وتسرب الطعام مقابل الأموال إلى دولة العراق عن طريق تركيا أو عن طريق سوريا أو عن طريق الأردن.

ومعلوم أن الدول الخاضعة لمجلس الأمن ولقرارات مجلس الأمن هي التي فرضت الحصار الاقتصادي على العراق، وأرجو أن تتدبر كلمة (العجم)، فحينما سئل جابر: من الذي يمنع القفيز والدرهم عن أهل العراق؟ قال: العجم، و (العجم) تطلق في لغة العرب على كل من سوى العرب، كل من سوى العرب يقال لهم: عجم.

إذاً: هذه اللفظة تفيد أن كل دول العالم -تقريباً- ستشارك في الحصار الاقتصادي باستثناء العرب، وهذا هو الموقف الرسمي فعلاً، وأنتم تعلمون أن مجلس الأمن اتخذ قرار المقاطعة بدوله الخمس الدائمة العضوية، وهي: أمريكا، وروسيا، وفرنسا، وبريطانيا، والصين.

ومعلوم أن الدول العربية تتناوب العضوية في مجلس الأمن، وكانت اليمن إذ ذاك هي العضو في المجلس، وقد اتخذت قراراً رفضت فيه الحصار الاقتصادي على العراق، فاليمن هي الدولة العربية الوحيدة التي رفضت القرار.

إذاً: اليمن هي الدولة الوحيدة في مجلس الأمن التي رفضت القرار، وكل شعوب العالم العربي تقريباً، وإن كان بعض الزعماء قد أذعنوا لقرارات مجلس الأمن، إلا أن شعوب العرب بلا استثناء لا زالوا إلى يومنا هذا يرفضون هذا الحصار، وفي اجتماع مجلس وزراء خارجية الدول العربية منذ أيام قريبة رفضوا الحصار الاقتصادي على العراق، ولا زالوا ضد تقسيم العراق، وبالفعل قد شاركت كل دول العالم -تقريباً- في فرض هذا الحصار الاقتصادي على العراق باستثناء العرب، ودعنا نقول: باستثناء شعوب العرب والمسلمين.

وعلى هذا يمكن أن يقال: إن حصار العراق أعجمي؛ لأن كل شعوب الأرض -ما عدا العرب رسمياً بمقتضى موقف اليمن في مجلس الأمن- قد شاركت في فرض هذا الحصار عن اختيار وطواعية؛ لأن مجلس الأمن يومئذ بدوله الدائمة وغير الدائمة -فيما عدا اليمن- هو الذي فرض هذا الحصار الغاشم على العراق؛ لذا يقول الحديث: (العجم يمنعون ذلك).

ومن المعلوم أنه لم يحدث في تاريخ الإسلام من قبل حصار اقتصادي على العراق بهذه الصورة أبداً.

أما الحصار الآخر: وهو حصار الشام، فتعلمون أن حصاراً فرض على سوريا من قبل حصار العراق، وأن حصاراً لا زال مفروضاً إلى الآن على فلسطين، فهذه من العلامات التي وقعت بمثل ما أخبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

ولا زلنا ننتظر الحدث الثالث في الحديث، ألا وهو: خروج الخليفة الذي يحثو المال حثواً ولا يعده عداً، وهو المهدي عليه السلام كما سأبين -إن شاء الله تعالى- بالأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى.