للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التشكيك في النص النبوي]

ثم تجاوزوا المرحلة الثانية وهي مرحلة التشكيك فيمن نقل إلينا النصوص إلى المرحلة الثالثة؛ وهي: مرحلة التشكيك في النصوص، وقالوا: الإسلام هو القرآن فقط دون السنة! والسنة فيها الضعيف وفيها الموضوع، وينبغي أن نقف أمام القرآن فحسب، تحت ستار أننا نريد أن نصحح أو ننقح السنة، فشككوا في النص النبوي، وقالوا بعدم حجية السنة.

وهأنتم تتابعون منذ سنوات عشرات الكتب التي تطعن في سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وتقول بعدم حجية السنة، وبأنه لا يلزمنا إلا أن نأخذ بالقرآن فحسب، وما أجمل ما قاله الإمام الأوزاعي: القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن، أي: لا يمكن أبداً أن تفهم القرآن بدون سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

وما أقعد ما قاله ابن القيم في كتابه النافع إعلام الموقعين إذ يقول: السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه: الوجه الأول: أن تكون السنة موافقة للقرآن من كل وجه، وهذا من باب توارد الأدلة وتضافرها في المسألة الواحدة.

فيأمر القرآن بالصلاة فتأمر السنة بالصلاة، يأمر القرآن بتحقيق التوحيد فتأمر السنة بتحقيق التوحيد، وهذا من باب توارد الأدلة في الباب الواحد.

الوجه الثاني: أن تكون السنة بياناً وتفسيراً لما أجمله القرآن.

وهذا كثير جداً، فتجد كتاب الله يأمر بالصلاة فيقول سبحانه: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ} [البقرة:٤٣]، لكن كيف أصلي؟ كم عدد الصلوات؟ ما أركان الصلاة؟ ما مبطلات الصلاة؟ فيأتي صحاب السنة ليفسر هذا الأمر المجمل ويقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، ويأمر القرآن بالحج والعمرة: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة:١٩٦]، لكن كيف أحج؟ ما أركان الحج؟ ما مبطلات الحج؟ فيأتي صاحب السنة ليقول: (خذوا عني مناسككم) وهكذا.

الوجه الثالث: أن تكون السنة موجبة لما سكت القرآن عن إيجابه أو محرمة لما سكت القرآن عن تحريمه.

والسنة هنا تعد مصدراً مستقلاً من مصادر التشريع، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث المقدام بن معد يكرب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه).

يقول المصطفى: (ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة المعاهد)، وفي رواية: (فإنما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل).

ألم يقل الله سبحانه: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الحشر:٧].