قال الله:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب:٢١]، فأقول: هل بعث الله رسوله المصطفى لتكون سيرته قصة تتلى في يوم المولد من أيام شهر ربيع؟ ما أرخصه من حب! ما أرخصه من اتباع! ما أرخصه من تقدير! أمة والله لا تعرف قدر نبيها، هل بعث الله رسوله لتكون سيرته قصة تتلى بصوت رخيم جميل أنيق والناس من حول صاحب الصوت يصطرخون؟ ويخرج الناس بعد سماعهم لسيرة المصطفى وكأن لسان حالهم يقول: كان يا ما كان أيام زمان على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، كأنها قصة أبي زيد الهلالي! وكأننا ما كلفنا أن نحول هذه السيرة في حياتنا إلى واقع عملي، وإلى منهج حياة! تحكى الآن سيرة النبي عليه الصلاة والسلام على أنها قصة، لم يعد الناس ينظرون إلى هذه السيرة ليحولوا معانيها في حياتهم إلى واقع عملي، إلى مشهد يتحرك ويرى ويسمع في عالم الدنيا وفي عالم الناس.
والله ما أرسل الله نبيه لتكون سيرته ماضياً بل وحاول أعداء الأمة أن يحولوا بين الأمة وبين رسولها، حرصوا أن يحولوا بين الأمة وبين سيرة النبي العظيم الخاتم؛ لتظل سيرة النبي في حياة الأمة قصة تتلى، وحكاية جميلة ترددها الألسنة، وقصائد وكلمات منمقة، يحتفل بها علية القوم وسادة الناس، تحتفل الأمة برسول الله عبر قصيدة أو عبر أبيات شعرية، أو عبر خطبة رنانة، أو عبر ندوة رنانة، أو عبر ليلة ماجنة، ليلة يؤتى فيها براقص يسمونه مداحاً، يقف هذا الراقص بين جموع تصرخ، ويتحرك مجموعة من الناس لجمع التبرعات، لماذا تجمع التبرعات؟! يقولون: لمولد رسول الله، أي مولد هذا الذي تجمع له التبرعات؟ يجمع في هذه الليلة ألف، يجمع في هذه الليلة ألفان، يجمع في هذه الليلة ثلاثة آلاف، أليس في بلدنا فقراء هم في أمس الحاجة إلى هذا المال؟! اتقوا الله يا أيها الناس! اتقوا الله يا عباد الله! والله إنه الكذب، والله إنه الدجل، ينفق في ليلة من هذه الليالي -بحجة أننا نحتفل برسول الله- هذه الآلاف من الجنيهات، وينفقها أناس لا يصلون وأنتم تعلمون، رجل لا يصلي لله ويدعي أنه يحتفل برسول الله، ما هذا الكذب؟! ما هذا الهراء؟! أيها المسلمون اتقوا الله، وأذكركم بهذه النصيحة الخالصة لوجه الله، لا أسألكم عليها مالاً، ولا أسألكم عليها أجراً، وليقل الناس ما قالوا؛ فإني أبتغي رضا رب الناس جل وعلا، إن ما تفعلونه بدعة منكرة لا أصل لها ولا وجود لها.
يا من تمسكون الطبل والمزمار؛ لتغنوا للنبي المختار، أنتم على بدعة، والله ما فعل ذلك أبو بكر، والله ما فعل ذلك عمر، والله ما فعل ذلك عثمان، والله ما فعل ذلك علي! إن الاحتفال برسول الله لا يتمثل في هذه الليالي الماجنة التي يختلط فيها الشباب بالفتيات، والرجال بالنساء، ويترك فيها الناس صلاة العصر، حيث يمرون على المسجد أثناء الزفة فلا يصلون لماذا؟ أرفعت عنهم التكاليف لأنهم يحتفون برسول الله؟ ما شاء الله! إنا لله وإنا إليه راجعون، قضوا هذه الليلة مع هذا الراقص، والله الذي لا إله غيره ربما ما صلى واحد منهم الفجر لله، هل هذا هو الحب؟! أيها المسلمون! سيسألني الآن أب طيب من آبائنا ويقول: لماذا لا تمنع الدولة هذه الموالد؟
و
الجواب
إنها ثلة منتفعة، وأذكرك بتحقيق صحفي لا أقول: نشرته جريدة المعارضة، وإنما نشرته جريدة الجمهورية، وهذا التحقيق ينبئنا عن أموال صناديق النذور في قبور الأولياء، ففي مسجد السيد البدوي في كل ثلاثة أشهر يفتح صندوق النذور، ويكون نصيب خادم دورة المياه في كل ثلاثة أشهر أكثر من تسعة آلاف جنيه! فما ظنك بمن هو أعلى؟! وتأتي أنت يا صاحب اللحية لتقول: حرام تقطع رقبتي، تحرمني من هذه الآلاف، إنها ثلة منتفعة، والله لا أصل لها في قرآن ولا أصل لها في سنة، أما أن يأتي رجل لا يصلي ويدعي أنه يحتفل برسول الله، فهذا منكر عظيم.
أيها المسلمون! من دفع جنيهاً واحداً لهذه الموالد فهو عاصٍ لله عز وجل، وقد وقع في البدعة، وقد ارتكب إثماً ومعصية، يقول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم:(من نذر لغير الله فقد أشرك)، أنت مسئول عن مالك، كل جنيه تدفعه ورب الكعبة ستسأل عنه، الله عز وجل سيسألك عن هذه الأموال، يقول المصطفى:(لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: -وذكر النبي منها- ويسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه).
ستقول: يا رب! أنفقته في المولد! أي مولد؟ رجال ونساء، تضييع للصلوات، فقراء في أمس الحاجة إلى هذه الأموال، الله الله عباد الله، اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد.
أيها الشباب! يا من تتحرك دماء الحماس في عروقكم، وظيفتنا البلاغ والبيان، ليست وظيفتنا أن نلزم الناس، وأن نجبر الناس، وأن نقهر الناس، وظيفتنا البلاغ، وظيفتنا البيان، ما علينا إلا أن نبلغ، ما علينا إلا أن نبين، ما علينا إلا أن نوضح الحق بالدليل من القرآن والسنة، قال الله لنبيه:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِر}[الرعد:٧]، {إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ}[الشورى:٤٨]، {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:٢٧٢]، فوظيفتنا أن نبلغ، وأن نحذر، وأن ننذر، ولنترك النتائج بعد ذلك لمن بيده القلوب، أسأل الله أن يرد الأمة إليه رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.