للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تيأسوا من روح الله]

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيها الأحبة الكرام: أرى رياحاً عاتية من القنوط واليأس تجتاح نفوس كثير من المسلمين، فإن هذه الهزيمة النفسية وهذا اليأس والقنوط هل تعتقدون أن السبب كله منكم لأمريكا، أم أنه منكم ومن الخالق العظيم، يتصرف فيه كيف شاء؟ {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:٢٦].

إخوتي الكرام، إن زعيمة الإرهاب في العالم، وإن العالم الغربي كله إلى جوار قدرة الله وقوته وعظمته ما هم إلا حشرات ستموت وستسقط كما سقطت الحشرات الشيوعية، ستسقط الحشرات الغربية كما سقطت الحشرات الشيوعية المركزية، لموعود الله جل وعلا، ولموعود الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.

أيها الإخوة: إذا كان الاستيلاء لأهل الإيمان سنة جارية ثابتة، فإن أخذ الله للظالمين سنة جارية ثابتة، {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢]، {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:٦ - ١٤].

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ} [الفيل:١ - ٥] أخذ الله للظالمين سنة ثابتة، وسنة جارية لا تتبدل ولا تتغير.

يا إخوتي الكرام؛ أين فرعون الذي قال: أنا ربكم الأعلى، الذي قال: ما علمت لكم من إله غيري، الذي قال لقومه: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي} [الزخرف:٥١]، فأجراها الله من فوقه؟! أين هامان؟ أين قارون؟ أين ثمود؟ أين عاد؟ أين الظالمون؟ بل أين التابعون لهم بالغي؟ أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل خلد الموت ذا عز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جان لا تيأسوا من روح الله فإن جيل الله قادم! إن جيل الله قادم! هل تصدقون الله جل وعلا؟ هل تصدقون رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اسمع لربك ونبيك، قال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦]، وقال جل وعلا: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:٨ - ٩]، وقال جل وعلا: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١].

ويكفي أن نعلم أنه في نفس الأسبوع ابتلى الله أمريكا بإعصار مكلف لها مئات الملايين من الدولارات، اللهم إنا مغلوبون فانتصر لنا يا رب العالمين! الله جل وعلا يقول: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ} [يوسف:١١٠].

ويذكرنا الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم فيقول كما في الحديث الصحيح الذي رواه الترمذي من حديث ثوبان: (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها)، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره من حديث حذيفة، قال عليه الصلاة والسلام: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً، فتكون فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم! يا عبد الله! ورائي يهودي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود).

إخوتي الكرام: هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حدد أرض المعركة؟ نعم، لقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم أرض المعركة الفاصلة بين المسلمين واليهود، ففي رواية البزار بسند رجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي، أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أنتم شرقي الأردن وهم غربيه)، ولم تكن هناك يومئذ دولة تعرف بدولة الأردن، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٣ - ٥].

وفي الحديث الذي رواه أحمد وغيره بسند صحيح من حديث عبد الله بن عمرو قال: (سئل رسول الله يوماً: يا رسول الله! أي المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أم روما؟ فقال الصادق الذي لا ينطق عن الهوى: القسطنطينية تفتح أولاً)، وأنتم تعلمون أن القسطنطينية قد فتحت على يد البطل الشاب محمد الفاتح بعد البشارة النبوية بثمانية قرون ونصف، ويبقى الشطر الآخر للبشارة النبوية وعد لا يخلف، ألا وهو فتح روما بإذن الله، وبموعود رسول الله صلى الله عليه وسلم.