[سلامة القلب من الشرك]
لا يسلم القلب حتى يسلم من شرك يناقض التوحيد، لأن أظلم الظلم وأقبح القبح وأجهل الجهل في هذه الدنيا هو الشرك، وما عصي الله جل وعلا على ظهر هذه الأرض بذنب أعظم وأقبح من الشرك والعياذ بالله! والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه مسلم: (من لقي الله لا يشرك به شيئاً دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئاً دخل النار)، {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].
وفي الحديث الذي رواه مسلم والترمذي من حديث أنس وهذا لفظ الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى في الحديث القدسي الجليل: يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لأتيتك بقرابها مغفرة).
إن أعظم ذنب يرتكب على ظهر الأرض هو الشرك بالله، ووالله ما أخر الله النصر عن الأمة إلا لأن من أبناء الأمة من لا يزال متلبساً بالشرك والعياذ بالله، فمن الأمة من يعتقد اليوم أن للكون أقطاباً وأوتاداً وأبداناً تسير الأمر وتصرف شئون الكون، والله جل وعلا يقول: {قُلْ إِنَّ الأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران:١٥٤].
ومن أبناء الأمة من يذبح لغير الله ومنهم من ينذر لغير الله ويطوف بقبور الأنبياء والأولياء، والله أمر أن يكون الطواف لبيته جل وعلا.
ومن الأمة من يستغيث بغير الله، ومنهم من يستعين بغير الله، ومنهم من يسأل غير الله، ومنهم من يحلف بغير الله، ومنهم من يحكم في الأمة غير شرع الله، وغير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووالله لن تأتي النصرة إلا إذا صححت الأمة توحيدها، وأخلصت إيمانها، وصفت عقيدتها لربها جل وعلا: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].
إن حق الله على الأمة وعلى الناس جميعاً أن يعبدوه وحده، وأن يخلصوا له العبادة وحده، قال معاذ بن جبل، والحديث في الصحيحين: (كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً على حمار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا معاذ! أتدري ما حق الله على العباد؟ قال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً،)، {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]، فلا تصرف العبادة بركنيها من كمال حب وكمال ذل، وبشرطيها من إخلاص واتباع؛ إلا لله جل وعلا.
(حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، ثم قال: أتدري ما حق العباد على الله؟ قال معاذ: الله ورسوله أعلم، فقال صلى الله عليه وسلم: وحق العباد على الله ألا يعذب من لا يشرك به شيئاً، قال معاذ: أفلا أبشر الناس يا رسول الله؟ قال: لا تبشرهم فيتكلوا).
وفي الصحيحين من حديث عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق وأن النار حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي رواية عتبان بن مالك: (فإن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله جل وعلا).
وكلمة التوحيد ليست كلمة ترددها الألسنة فحسب، فإن مما يؤلم النفوس ويفزع القلوب أن نردد كلمة التوحيد في الليل والنهار، ونحن لا نقف عند أوامرها ونواهيها ولا عند حدودها، ونعتقد أن كلمة التوحيد كلمة تقال باللسان وتلوكها الألسنة في الليل والنهار، دخاناً يطير في الهواء لا قيمة له، ووالله لقد ردد المنافقون كلمة التوحيد في حضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نفعتهم في الآخرة، وإن كانت نفعتهم كلمة التوحيد في الدنيا: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [المنافقون:١].
فلابد أن نحول كلمة التوحيد إلى واقع عملي، وإلى مجتمع متحرك منظور، لأن الفكر الإرجائي قد دمر الأمة تدميراً، (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة)، ولكن ليست كلمة باللسان بدون واقع، وبدون عمل وانقياد وامتثال لأمرها، ونواهيها، وبدون وقوف عند حدودها، كلا، فإن هذه الأحاديث المطلقة على هذه الشاكلة قد وردت أحاديث كثيرة تقيدها، والقاعدة الأصولية تقول: (يحمل المطلق على المقيد)، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول كما ذكرت آنفاً في رواية عتبان في الصحيحين: (فمن قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله)، (من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) (من قال لا إلا الله صدقاً من قلبه) (من قال لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه).
فكلمة التوحيد ليست كلمة تقال باللسان، وإنما الإيمان قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، ورحم الله الحسن حيث يقول: ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، فمن قال خيراً وعمل خيراً قبل منه، ومن قال خيراً وعمل شراً لم يقبل منه.