[الخوف من مكر الله عز وجل]
الخوف من مكر الله: قال تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩]، لا تأمن مكر الله أخي في الله! فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء، كما في صحيح مسلم، من حديث عبد الله بن عمرو، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل، كقلب واحد يصرفه حيث شاء ثم قال صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك).
فالقلوب تتقلب، فأنت الآن على حال وبعد لحظات ربما يتحول قلبك إلى حال آخر، فلا تأمن على الإطلاق كيف يكون حال قلبك وأنت على فراش الموت، يقول الله: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩]، فالخوف من مكر الله مزق قلوب الصادقين، وقطع قلوب المؤمنين العارفين العالمين.
ففي الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها).
وفي رواية سهل بن سعد الساعدي في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة)، وفي لفظ البخاري: (فإنما الأعمال بالخواتيم).
إخوتي الكرام! إن العبرة بالخواتيم، والخواتيم ميراث السوابق، بمعنى: أن الخواتيم نتيجة عادلة لما سبق في حياتك من أعمال الخير أو الشر.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
إن عشت على الطاعة فيقتضي عدل الله جل وعلا أن تموت على طاعة، وأن تبعث على ذات الطاعة، وإن عشت على المعاصي فيقتضي عدل الله إن لم تتب إليه منها وتعترف له بفقرك وجرمك أن تموت على ذات المعصية، وأن تبعث يوم القيامة على ذات المعصية، فالعبرة بالخواتيم، والخواتيم ميراث السوابق.
فهذا مؤذن يؤذن لله أربعين سنة لا يبتغي الأجر إلا من الله، وقبل الموت مرض مرضاً أقعده في الفراش، وعجز أن يخرج إلى بيت الله ليرفع الأذان، وقبل الموت بساعات بكى وقال: يا رب! أؤذن أربعين سنة لا أبتغي الأجر إلا منك وحدك، وأحرم من هذه النعمة قبل الموت!! اللهم يسر لي الأذان، فلما سمع الأذان خارج بيته قال لأولاده: يا أولادي! وضئوني فوضئوه، قال: أريد أن أصدع بالأذان وأن أخرج إلى المسجد، فلما أراد أن يخرج عجز عن الخروج إلى بيت الله جل وعلا فقال: أوقفوني فأوقفوه على فراشه، واتجه إلى القبلة ورفع صوته بالأذان إلى أن وصل إلى آخر كلمات الأذان، فقال: (الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله)، وخر على فراشه ساقطاً، فأسرع إليه أولاده فإذا روحه قد خرجت مع قوله: (لا إله إلا الله).
لقد أجرى الله الكريم عادته بكرمه أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بعث عليه.
وهؤلاء مجموعة من الشباب في السعودية اصطادوا ثلاث فتيات، وخرجوا بهن إلى مكان بعيد عن أعين الناس، ولكن الله جل وعلا يسمع ويرى، فقال أحدهم: نريد الطعام والشراب لنقضي ليلة حمراء ممتعة، فقال أحدهم: أنا آتيكم بالطعام والشراب بعد لحظات، وخرج وانصرف وعليه جنابة الزنا والعياذ بالله! ولا حول ولا قوة إلا بالله، وفي الطريق انقلبت به سيارته، ولما تأخر عن رفقائه قال أحدهم للآخر: لماذا تأخر فلان؟ أنا أذهب لأنظر ماذا صنع؟ وعلى الطريق رأى سيارة تحترق وتشتعل فيها النيران، فلما دنا منها عرف أنها سيارة صديقه، فوجد صديقه في السيارة يعجز عن الخروج منها، والنار تأكله وهو يقول: ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟ ماذا أقول له؟ فاقترب منه وسحبه والنار تشتعل فيه وقال له: من هذا الذي تتكلم عنه؟ فقال له: ماذا أقول لربي؟ ماذا أقول لربي غداً؟ فأنت سل نفسك أيها المسلم! وقل: ماذا سأقول لربي غداً؟ إن أتاك اليوم ملك الموت هل أنت راض عما أنت فيه من طاعة؟! عباد الله! إن أقرب غائب ننتظره جميعاً هو الموت، والموت لا يترك غنياً ولا فقيراً، ولا يترك شيخاً ولا صغيراً، ولا يترك رجلاً ولا امرأة.
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغرور دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩]، وكلما ازددت معرفة بالله كلما ازددت خوفاً من الله وخشية له، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أنا أعلمكم بالله، وأشدكم له خشية).