للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغاية التي من أجلها خلق الإنسان]

إذاً السؤال الثالث والأخير والمهم بعدما عرف الإنسان خالقه، وبعدما عرف الإنسان مسيره ومصيره، يجب عليه أن يسأل نفسه هذا

السؤال

لماذا خُلقت؟ وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ووجدت؟ والجواب عند المؤمنين حاضر لا يحتاج إلى تفكير، فكل صانع يعلم سر صنعته لماذا صنعها؟ فالمؤمن حينما يبحث عن هذا السؤال عند خالقه يرى الجواب واضحاً، فإن سأل: لماذا خلقت؟ فسيأتي الجواب من الخالق الذي يعلم الغاية من الخلق، فهو الذي خلق الخلق لغاية يعلمها ويريدها سبحانه، سيأتي الجواب واضحاً: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٦ - ٥٨].

وتدبروا معي هذه الآية الجميلة التي قلّ من فكر فيها منا، قال الله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢] فهذه الآية جعلت معرفة الله سبحانه وتعالى هي الغاية من خلق السموات والأرض، وتدبر الآية مرة أخرى! قال عز وجل: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢]، فالغاية هي أن تعرف الله، وأن تعرف أسماء جلاله، وأن تعرف صفات كماله، وأن تعرف قدره وعظمته، وأن تعرف أنك ما خلقت إلا لتوحده، وأنك ما خلقت إلا لتعبده، وأنك ما خلقت إلا لتخشاه وترجوه وتتوكل عليه، وإلا لتخلص العبادة له وحده بلا منازع أو شريك، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات:٥٦ - ٥٧].

فالإنسان وبكل أسف يسأل عن الغاية التي خلق من أجلها كل شيء في الكون، مع أن كل شيء في الكون خُلق من أجلك أنت أيها الإنسان! فأنت تسأل: لماذا خُلقت السماوات؟ ولماذا خُلقت الأرض؟ ولماذا شق الله البحار؟ ولماذا أجرى الأنهار؟ ولماذا خلق الله الأزهار؟ ولماذا كذا؟ ولماذا كذا؟ في الوقت الذي لا يسأل الإنسان عن سبب خلقه هو، وعن غاية خلقه، ولا يقول: لماذا خُلقت أنا؟ فالله عز وجل خلق الماء للأرض، وخلق الله عز وجل الأرض للإنبات وللحياة، وخلق الله عز وجل النبات للحيوان وللإنسان، وخلق الله عز وجل الحيوان للإنسان، وخلق الله عز وجل الإنسان له وحده، فأنت مخلوق لله وحده، وأنت مربوب لله وحده، ولا يجوز لك ألبتة أن تصرف العبادة لغير خالقك سبحانه وتعالى، فالإنسان مخلوق لله؛ ليفرد الله خالقه بالعبادة وحده بلا منازع أو شريك؛ وهذه العبادة يا إخوة! لا يجوز أن تكون إلا لله وحده، وهي العهد والميثاق العظيم الذي أخذه الله على الخلق، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يس:٦٠ - ٦١].

وقال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ} [الأعراف:١٧٢ - ١٧٣].

فلا عجب يا إخوة! أن تكون العبادة هي الصيحة الأولى لكل نبي، وهي التوجيه الأول لكل رسول، فما من نبى ولا رسول بُعث في قومه إلا ودعا قومه أول ما دعاهم إلى عبادة الله وحده: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) فهذه دعوة آدم، وهذه دعوة إبراهيم، وهذه دعوة موسى، وهذه دعوة نوح، وهذه دعوة عيسى، وهذه دعوة محمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، قال الله عز وجل: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} [النحل:٣٦].

وقال الله عز وجل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٢٥] وقال الله عز وجل: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء:٩٢]، فالعبادة أمر الله بها كل الخلق، وأمر بها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، قال تعالى لنبيه المصطفى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩]، واليقين هنا هو الموت.

فالتكليف بالعبادة لازم للنبي صلى الله عليه وسلم ولكل بشر على وجه الأرض حتى يلحق بربه تبارك وتعالى، بل وبين الله عز وجل أن المسيح عيسى بن مريم الذي عبده النصارى وجعلوه إلهاً من دون الله أنه لن يستنكف أن يكون عبداً له سبحانه وتعالى، فقال جلا وعلا: {لَنْ يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا} [النساء:١٧٢] وعبادة الله هي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق.

وأكتفي بهذا القدر، وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

والحمد لله رب العالمين.