السبب الثالث: التبرج والاختلاط والخلوة بين الرجل والمرأة، وبين الطالب والطالبة، وهذا سبب من أخطر الأسباب أيضاً؛ لأن الميل بين الرجل والمرأة أمر فطري عميق في التكوين البشري؛ لأن الله قد أناط به امتداد النسل البشري على ظهر الأرض، والجسم العاري، والنبرة المؤثرة، والرائحة المؤثرة، كل هذا يشعل نار الفتنة بتحريك الغرائز الهاجعة والشهوات الكامنة، فإذا تم الاختلاط بين الرجال والنساء والشباب والفتيات على هذه الصورة الخطيرة، كانت الكارثة أعظم، وسبحان من قال:{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الملك:١٤]، فما حرم الإسلام الاختلاط والتبرج والخلوة إلا لأنه يهدف إلى إقامة مجتمع طاهر نظيف، ولقد استوقفتني كلمات خطيرة لكاتبة إنجليزية تسمى اللاديكوك تقول: على قدر كثرة الاختلاط يكثر أولاد الزنا، ولا شك أن جعبة الباحثين والدارسين لظاهرة الاختلاط والخلوة حافلة بالمآسي المخزية، والفضائح المزرية، التي تمثل صفعة قوية على وجه كل من يجادل في الحق بعدما تبين، فعلى الذين تربوا على موائد المدنية الزائفة، وأطلقوا العنان للرجال والنساء في الخلوة والاختلاط المحرم بدعوى أن الظروف قد تغيرت، وأن المرأة قد تعلمت وتثقفت وتنورت، وهي محل ثقة الزوج والأب والأسرة، على هؤلاء جميعاً أن يعلموا أنهم يرتكبون جرماً عظيماً وحرمة كبيرة، وعليهم في الوقت ذاته أن يراجعوا بعد ذلك الدراسات والإحصائيات والجرائم الكثيرة المنتشرة التي يعلن عنها يومياً؛ ليعلموا يقيناً أنه لم تقع ولن تقع جريمة ينهش فيها العرض، ويذبح فيها العفاف، ويضيع فيها الشرف إلا بسبب الجرأة والتعدي على حدود الله جل وعلا، فمحال -يا أصحاب العقول الراشدة- أن نسكب البنزين على نار مشتعلة ثم نقول للنار: إياك والاشتعال، محال أن نقيد شاباً بالحبال وأن نلقيه في اليم ثم نقول: إياك والغرق، إياك أن تبتل بالماء! ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء هذا محال، والعلاج في العودة إلى شرع الكبير المتعال، أن نذعن لحكمه، ونحن على يقين أن السعادة في الدنيا والآخرة بالتسليم المطلق لأمر الله ورسوله، ويجب أن نتخلص من التقليد الأعمى للغرب، قال تعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥]، وقال تعالى:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}[الأحزاب:٣٦].
وفي الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فما أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وما نهيتكم عن شيء فدعوه).