[المستقبل للإسلام]
ثانياً: الآمال: الآمال كثيرة، ولله الحمد والمنة، وكُلها تنادي بصوت مرتفع وتقول: إن الإسلامَ قادم، كقدوم الليل والنهار.
فإن عرف التاريخ أوساً وخزرجاً فلله أوس قادمون وخزرج وإن كنوز الغيب تخفي طلائعاً مصابرة رغم المكائد تخرج أيها الأحبة! إن أمة الإسلام مرضت وطال مرضها، ونامت وطال رقادها، ولكنها بحمد الله لم تمت.
وإن الذي يفصل في الأمر في نهاية المطاف ليس هو كثرة الباطل، ولا قوة الحديد والنار، ولكن الذي يفصل في الأمر في نهاية المطاف هو قوة الحق.
ولا شك أننا نملك الحق الذي من أجله خلقت السموات والأرض، والجنة والنار، ومن أجله أنزلت الكتب، وأرسلت الرسل.
معنا رصيد الفطرة فطرةُ الكون وفطرة الإنسان وقبل كل ذلك وبعد كل ذلك معنا الله، ويا لها والله من معية عظيمة جليلة مباركة، قال تعالى: {وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} [يوسف:٢١] وقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:١٧١ - ١٧٣] وقال سبحانه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:٨ - ٩].
وقال جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦] وقال سبحانه: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} [النور:٥٥] بشرط: {يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} [النور:٥٥] إنه وعد الله الذي لا يتخلف، وسنة الله التي لا تتغير.
ومن أروع ما قرأت -وأنا أعد هذا اللقاء- قول المفكر الكبير ماكنيل: (إن الحضارة الغربية في طورها الأخير من أطوار حياتها).
ومن سافر إلى تلك البلاد عرف هذه الحقيقة التي بدأت تنادي ويصرخ من أجلها المفكرون هناك: إن الحضارة الغربية في طورها الأخير من أطوار حياتها.
نعم أيها الأحبة! لا ننكر أن الحضارة الغربية قد قدمت تقنية علمية رائعة مذهلة، انطلقت بعيداً بعيداً في أجواء الفضاء، وغاصت بعيداً بعيداً في أعماق البحار والأنهار والمحيطات، وفجرت الذرة، بل وحولت العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذا التقدم العلمي المذهل، والتقنية الحديثة في عالم الاتصالات والمواصلات.
ولكنها بالرغم من ذلك فشلت في أن تمنح الإنسان طمأنينة النفس، وسعادة القلب، وراحة البال، واستقرار الضمير، وهدوء الأعصاب، ومن أراد أن يتحقق من ذلك فليراجع أي إحصائية تقع عليها عينه؛ ليتعرف على هذه الحقائق التي ذكرتها.
والسبب في ذلك: أن الحضارة تتعامل مع شق واحد من هذا الإنسان، ألا وهو البدن، فأعطت هذه الحضارة البدن كل ما يريد، وكل ما يشتهي، وكل ما يرغب، وبقي الشق الآخر وهو الروح، وهذه الأمور لا تتعامل مع الروح؛ لأن الروح لا تقاس بالكيلومترات ولا توزن بالجرام، ولا تخضع للترمومتر الميتافيزيقي مثلاً، ولا تخضع ولا تتجسد في بوتقة اختبار في مصنع أو معمل كيمياء أو فيزياء كلا، بل إنه لا يشبع الروح ولا يغذيها ولا يسعدها ولا يفرحها، إلا منهج خالقها جل وعلا، هذه حقيقة بدأ يصرخ بها الآن المفكرون في هذه الحضارات الغربية وينادون بها، ومن أعجب ما قرأت في هذا ما قاله المفكر الشهير اكسنجل، حيث يقول في كتابه القيم سقوط الحضارة: إن للحضارة دورات فلكية، فهي تغرب هنا لتشرق هناك، وإن حضارة جديدة أوشكت على الشروق في أروع صورة، هي حضارة الإسلام، فهو وحده الذي يملك أقوى قوة روحانية عالمية نقية، إنه دين الفطرة، دين الله الذي خلق هذا الإنسان ويعلم ما يفسده وما يصلحه، {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤] وبدأت البشارات تتوالى، ومن هذه البشارات أنه في الأسبوعين الماضيين حدث في أمريكا حدث لأول مرة في تاريخ أمريكا، فلقد احتفل البنتاغون -وزارة الدفاع الأمريكية- بتنصيب أول إمام للمسلمين في الجيش الأمريكي، وهذا حدث فريد من نوعه، وقد تلقفت هذا الخبر وكالات الأنباء والإذاعات والمجلات في أمريكا، وركزت عليه تركيزاً شديداً، إنه حدث فريد في تاريخ أمريكا كله أن ينصب رجل مسلم في مثل هذا المنصب، واسم هذا الرجل عبد الرشيد محمد وقد نصب إماماً للمسلمين في الجيش الأمريكي والذين يزيد عددهم عن ستة آلاف مسلم، وسمح لهم رسمياً بإقامة الصلوات في أوقات الدوام الرسمي.
خذ المزيد: وصل عدد المسلمين في أمريكا إلى ما يزيد عن ستة ملايين مسلم! خذ المزيد: بلغ عدد المساجد في أمريكا ما يقرب من ألف مسجد يرفع التكبير لله العلي الكبي! ألف مسجد يؤذن ويصلي فيه المسلمون الصلوات الخمس لله جل وعلا! خذ المزيد: مؤسسة كبيرة تسمى بمؤسسة الأخت كليرا محمد هذه الأخت الفاضلة المليونيرة المسلمة الأمريكية سخرت مالها لدين الله، وأنشأت خمسين مدرسة إسلامية، والعام الماضي انتهت من إنشاء كلية في ولاية فرجينيا، وهذه الكلية تسمى بكلية المعلمين؛ لتخريج المدرسين الذين يدرسون في هذه المدارس الإسلامية.
خذ المزيد: في الشهر الماضي، بل في الأيام القليلة الماضية افتتح في أمريكا أول برنامج إذاعي ليبث للمسلمين والأمريكيين باللغة الإنجليزية تعاليم دين الرحيم الرحمن في إذاعة تسمى (صوت الحق).
خذ المزيد: معهد الدراسات الإسلامية والعربية التابع لجامعة الإمام يمنح (البكالوريوس) و (الماجستير) في الدراسات الإسلامية، ويقدم برامج علمية هادفة مثقفة مركزة باللغة الإنجليزية للمسلمين الأمريكيين ولغير المسلمين، بالإضافة إلى هذه التجمعات والمؤسسات الإسلامية والمؤتمرات والندوات والمجلات والدورات والنشرات والمحاضرات في كل أنحاء أمريكا، بل تعجبون أيها الأحبة! لقد علمت أن في مدينة واحدة -وهي مدينة (ديترويت) - أكثر من سبعين مسجداً، ويزيد عدد الإخوة اليمنيين في هذه المدينة عن مائتي ألف يمني مسلم! كادوا أن يستقلوا بحياتهم ومطاعمهم ومآكلهم ومشاربهم في هذه المدينة، إنه فضل الله جل وعلا، إنه وعد الله الذي لا يتخلف، وسنة الله التي لا تتغير، إن يد الله جل وعلا تعمل ولكننا في غفلة.
وأخيراً أيها الأحبة الكرام! يبقى أن نقول: فما واجبنا وما دورنا؟ وهذا نتعرف عليه بعد جلسة الاستراحة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.