للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[عدم التعصب]

أول أدب من أدب الخلاف: نبذ التعصب للأشخاص والجماعات.

يا إخوة! الدكتور بدير والشيخ أبو إسحاق، والشيخ محمد يعقوب، والشيخ مصطفى العدوي، ومحمد حسان، وشيوخنا الكبار: الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ناصر، والشيخ ابن عثيمين، كل هؤلاء إلى فناء وإلى زوال، فالدعاة يجيئون ويذهبون ويموتون، وتبقى الدعوة خالدة على مر الأجيال والقرون، فاجعلوا ولاءكم لله، ولا تجعلوا ولاءكم لأشخاص الدعاة.

يا شباب الصحوة! اجعلوا ولاءكم لله لا لأشخاص الدعاة، الدعاة إلى زوال، قد أسجن، قد أمرض، سأموت، فهل تتوقف الدعوة؟! إذا سافر الدكتور بدير هل تتوقف الدعوة؟ لا، ثم لا، ولو توقفت الدعوة بموت دعاتها لماتت دعوة الإسلام بموت سيد الدعاة.

ماذا قال صديق الأمة يوم أن جاء من منزله بالسنح، ورأى الجموع الملتهبة تصرخ في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وحول حجراته الطاهرات، فكشف الغطاء والبردة عن وجه الحبيب الأزهر الأنور، وقبل الحبيب بين عينيه، وبكى وقال له: طبت حياً وميتا ًيا رسول الله! أما الموتة التي كتبها الله عليك فقد ذقتها، ولا ألم عليك بعد اليوم، وخرج الصديق لينادي في تلك الجموع: على رسلك يا عمر! والتف الناس حول صديق الأمة، وأعلنها مدوية: أيها الناس! من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت.

انبذوا العصبية للشيوخ، انبذوا العصبية للجماعات كلها، والله لا ندين الله بلافتة أو باسم جماعة، والله لا ندين الله بهذا، قال ابن القيم: إن سألوك عن شيخك فقل: شيخي رسول الله، وإن سألوك عن جماعتك فقل: {هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ} [الحج:٧٨] وإن سألوك عن منهجك فقل: الكتاب والسنة، وإن سألوك عن بيتك فقل: إن بيوت الله في الأرض المساجد.

انبذوا العصبية للجماعات، انبذوا العصبية للشيوخ، اقبلوا الحق على لسان أي أحد، وردوا الباطل على لسان أي أحد، إذا كانت الجماعة الفلانية عندها حق، فضع الحق على رأسك، أو كانت جماعتك التي تنتمي إليها عندها باطل، فاضرب بباطلها عرض الحائط، هذا أول أدب ينبغي أن نؤصل عليه، والله لا أملّ من أن أكرره وأذكر به، وسأكرر وسأذكر به، بل وأدعو جميع إخواني من الشيوخ والدعاة أن يكرروا وأن يذكروا به، وأن يؤصلوا في قلوب شبابنا وطلابنا نبذ العصبية لجميع المشايخ ولجميع الدعاة، ليكون الولاء لدين الله عز وجل ولدعوة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

جاءك الشيخ فلان يقول: قال الله قال رسول الله، اجلس تحت قدميه، لا تقل: من هذا؟ بل قل: ماذا يقول هذا؟ يقول: قال الله قال رسوله قولاً صحيحاً عن رسول الله ليس مبتدعاً، ليس صاحب فكر منحرف ضال، اجلس تحت قدميه وتعلم، لا تقل: أنا لا أحضر إلا لفلان! انبذوا هذا التعصب، وتخلصوا من هذا الأمر أيها الأخيار الكرام، وبلغوا هذا الكلام لكل شباب الصحوة، اعرف الحق تعرف أهله، نكرر هذا مئات المرات! اعرف الحق تعرف أهله، فإن الحق لا يعرف بالرجال، ولكن الرجال هم الذين يعرفون بالحق.

التعصب البغيض يصم الآذان عن سماع الحق، ويعمي الأبصار عن رؤية الدليل، أقول: يا أخي! قال الله عز وجل وقال الرسول صلى الله عليه وسلم، فيقول: لكن الشيخ فلان قال كذا وكذا، أعوذ بالله! أقول لك: قال الله وقال رسول الله، وتقول لي: قال الشيخ فلان! أمر عجب! ابن عباس يقول لخير الناس بعد الأنبياء -للصحابة-: أقول لكم قال رسول الله وأنتم تقولون قال أبو بكر وعمر؟! ابن عباس ينكر، وأنا والله لا أعلم قولاً واحداً خالف فيه أبو بكر وعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

التعصب البغيض يصم الآذان عن سماع الحق، ويعمي الأبصار عن رؤية الدليل، ولو كان كالشمس في وضح النهار، قال الإمام الأصولي الفذ العلم الشاطبي في كتابه الاعتصام: ولقد زل أقوام بسبب الإعراض عن الدليل، والاعتماد على الرجال، وخرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، فاتبعوا أهواءهم بغير علم، وضلوا عن سواء السبيل.

وقال بركة الأيام، وحسنة الزمان، وإمام الأئمة الأعلام، ابن تيمية طيب الله ثراه -واحفظوا هذا الكلام، وأسأل الله أن يرزقنا وإياكم العمل به- قال: ليس لأحد أن ينصب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي ويعادي عليها غير النبي صلى الله عليه وسلم، وليس لأحد أن ينصب للأمة كلاماً يدعو إليه ويوالي ويعادي عليه غير كلام الله ورسوله وما اجتمعت عليه الأمة، ومن فعل هذا فقد فعل فعل أهل البدع والأهواء.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في موضع آخر في مجموع الفتاوى: من تعصب لواحد من الأئمة بعينه دون الباقين فهو بمنزلة من تعصب لواحد من الصحابة بعينه دون الباقين، كالرافضي الذي يتعصب لـ علي، وكالخارجي الذي يقدح في عثمان وعلي، من فعل ذلك فقد فعل فعل أهل البدع والأهواء.

أيها الأحباب! لا يجوز التعصب، بل تنظر ماذا يقول الشخص، ثم تعرض كلامه على القرآن والسنة، فإن وافق القرآن والسنة فضع قوله على رأسك.

أعجب من أحد طلابنا الصغار حينما كنت أخطب الجمعة في مصر يوم وفاة الشيخ محمد الغزالي، فدعوت الله له بالمغفرة والرحمة، وبعد الجمعة أقبل علي الشاب، وقال لي: يا شيخ! هل يجوز أن ندعو الله للشيخ محمد الغزالي؟! قلت: سبحان الله! ولم يا بني؟! قال: لقد أخطأ في كذا وكذا، قلت له: ائتني بعالم واحد من علمائنا بعد رسول الله لم يخطئ، فلو عاملنا شيوخنا جميعاً بما نريد أن نعامل به الشيخ الغزالي ما بقي لنا شيخ واحد على وجه الأرض لنتلقى العلم على يديه، فلقد مضى زمن العصمة بموت رسول الله، يا أخي! خالف الشيخ في أخطائه وبين أخطاءه بأدب، لكن مَنْ مِن الشيوخ على وجه الأرض لم يخطئ؟! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل -وكل من صيغ العموم- بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) اللهم ارزقنا التوبة قبل لقاك يا أرحم الراحمين، اللهم ارزقنا الحكمة والرحمة، فإن أصحاب القلوب الكبيرة قلما تستجيشها دوافع الغلظة والقسوة والانتقام، لأنك لا تدري بأي شيء يختم لك، أسأل الله أن يرزقني وإياكم جميعاً حسن الخاتمة، وأن يختم لنا ولكم بخاتمة التوحيد والإيمان، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

إذاً: أول أدب من آداب الخلاف: نبذ التعصب للأشخاص وللجماعات.