[الجهاد الأفغاني نموذج لإحياء روح الجهاد في سبيل الله]
أيها الأحباب! لقد أبرز الجهاد الأفغاني مجموعة من الحقائق الضخمة الكبيرة التي كانت في واقع هذه الأمة أفكاراً باهتة باردة لا تتعدى الكتب والصحف، فحولها الجهاد الأفغاني إلى واقع إلى حياة إلى منهج، ومن أعظم هذه الحقائق التي جسدها وأحياها الجهاد الأفغاني: روح الجهاد في سبيل الله.
ماذا يعرف المسلمون اليوم عن الجهاد في سبيل الله الذي أصبحت الدعوة إليه تقابل بشيء من التعجب، بل لا أكون مبالغاً إن قلت: بل أصبحت الدعوة إليه تقابل بشيء من الإنكار الشديد؟ لقد حرص أعداء هذه الأمة على أن يحولوا بينه وبين هذه الأمة، وعلى أن يضعوا في طريقه العقبات والحواجز والسدود.
وعلى ألا يربى جيل المسلمين على مائدة الجهاد، خشية أن يخرج من جديد خالد بن الوليد أو صلاح الدين أو مسلمة بن عبد الملك.
أمر الله جل وعلا بالجهاد بعد الإيمان بالله في آية واحدة، فقال سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا) هل قرع النداء قلبك؟، هل قرع النداء سمعك يا من آمنت بالله جل وعلا؟! {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ} [الصف:١٠] ما نوع هذه التجارة وما ربحها؟ وما راتبها؟ عباد الله! أستحلفكم بالله لو نودي علينا بتجارة نربح فيها الدولار والريال، هل سنتقاعس؟ لا والله.
ما هي التجارة، وما هي نوعية هذه الصفقة التي يعرضها علينا ربنا جل وعلا، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الصف:١٠].
تجارة تنجينا من عذاب أليم؟! ما هي يا رب؟ {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١١] تجاهدون في سبيل الله لا في سبيل القوميات، ولا الوطنيات، ولا الأرض، ولا كل هذه النعرات الجاهلية، بل لتكون كلمة الله هي العليا، لرفع راية لا إله إلا الله، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، {تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [الصف:١١].
أيها الأحباب! إن الجهاد ذروة سنام الإسلام، كما في حديث معاذ الذي رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح، أنه صلى الله عليه وسلم قال لـ معاذ: (ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قال: بلى يا رسول الله -بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم- قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد).
أيها الإخوة! إن مفهوم الجهاد في سبيل الله جل وعلا، لتكون كلمة الله هي العليا! الجهاد بدأ يتضاءل في حس المسلمين يوماً بعد يوم، حتى حولت الدعوة إلى الجهاد إلى كثير من الدعوات الفاجرة الباهتة كالدعوة إلى القومية إلى الوطنية إلى الديمقراطية إلى هيئة الأمم إلى مجلس الأمن إلى الطرق الدبلوماسية إلى المحافل الدولية، وهم يعلمون أن هذا كله يصرف المسلمين عن الحقيقة والوظيفة التي من أجلها أوجدهم الله، وأخرجهم الله جل وعلا، الوظيفة التي جسدها ربعي بن عامر رضي الله عنه رضي الله عنه أمام رستم قائد الفرس يوم أن قال له: من أنتم؟ وما الذي جاء بكم إلى أرضنا وبلادنا؟ فقال ربعي الذي اعتز بإسلامه وبدينه وعرف وظيفته وغايته التي من أجلها ابتعثه الله، فقال: (نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة)، هذه هي الوظيفة التي من أجلها أخرجت هذه الأمة، قال الله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠] لماذا؟ {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران:١١٠].
وقال الله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:١٠٤]، وقال جل شأنه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة:١٤٣] هذه هي وظيفة الأمة، ولن تنتصر الأمة بالشعارات البراقة، والدعوات بالدبلوماسية، ما فالجهاد هو الدواء الوحيد، هو العلاج الناجح الذي سيعيد للأمة مجدها، وسيضمد جراحها، وسيعيد للأمة ذاتها وكرامتها وهويتها التي مسخت منذ زمن طويل.
إنه الجهاد في سبيل الله وحده، لا في سبيل الطاغوت، ولا في سبيل الأرض، ولا في سبيل النعرات الجاهلية الفاجرة، بل الجهاد في سبيل الله جل وعلا.
وإن الكفار ليعلمون علم اليقين أن الإسلام هو المارد العملاق الذي بدأ يتململ من جديد، ولو هب من مرقده لأباد مدنية الشرق الملحدة الفاجرة، وحضارة الغرب الكافرة.