وأخيراً: فهل من توبة؟! أيها المسلمون! أيها الشباب! أيتها الفتيات! إنني أعلم أن من سقط في هذا المستنقع الآثم ينقسمون إلى فريقين من الناس: الأول: من وقع في هذا الحرام جهلاً بأنه يزني ويأتي الفاحشة، وقد غرر بهم الشيطان وأغواهم وأعمى بصائرهم، وخيل لهم أنهم متزوجون في الحلال، وأن ما هم فيه ضرورة للبعد عن الزنا، وهم في مستنقع الزنا ذاته، وهذا الجهل لا يعفيهم من المسئولية العظيمة، ولا يرفع عنهم الإثم الخطير، فالطريق إلى النار يفرش أحياناً بالنوايا الطيبة، وأنا أعتقد اعتقاداً جازماً: أن هؤلاء مهما ظنوا أنهم لم يخالفوا الشرع فإن في داخلهم هاجساً دائماً وشعوراً بالذنب، وخوفاً من أن يكونوا قد وقعوا في الحرام، وإلا فلماذا استتروا، وبالغوا في التخفي والسرية والكتمان؟ فالحلال لا حاجة فيه إلى السراديب تحت الأرض، والحق دائماً لا يخشى الظهور في النور.
أما الفريق الثاني: وهو الأكثر عدداً، فهو يعلم جيداً أنه يتلاعب بالأعراض، وينتهك الحرمات، ويخادع وينافق ويتمسح بالدين للوصول إلى غرضه الدنيء الحقير، وهؤلاء يتجرءون على الدين، ويستهزئون بالشرع، ولا يدخلون البيوت من أبوابها، ويزدادون إصراراً على التنقل في أوحال الرذيلة والعار؛ لأن أحكام الله معطلة، وحدوده مهملة، والمسلمين في غفلة، ومع ذلك فإلى هؤلاء وهؤلاء أقول: فهل من توبة؟! هيا أيها الشاب! وهيا أيتها الفتاة! يا من وقعت في هذه الرذيلة، ويا من وقعتي في هذا المستنقع! توبوا إلى الله عز وجل، أقلعوا عن هذا الذنب، واندموا على ما مضى، وتضرعوا إلى الله تبارك وتعالى أن يغفر ما قد سلف، واعلموا يقيناً بأن الله جل وعلا يفرح بالتائب حين يتوب إليه، وهو الغني عن العالمين، فهو سبحانه وتعالى الذي يفتح باب التوبة لعباده، يقول سبحانه:{قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:٥٣].
وينادي سبحانه وتعالى أهل الإيمان بالتوبة وتجديدها، فإن الإنسان لا ينفك عن معصية صغيرة أو كبيرة، ومن ثم فالله جل وعلا يقول:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[التحريم:٨]، ويقول سبحانه:{وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}[النور:٣١].
وما من يوم -أيها المسلمون! وأيها الشباب! وأيتها الفتيات! - إلا ورب العزة جل جلاله يتنزل إلى السماء الدنيا تنزلاً يليق بكماله وجلاله، ويقول سبحانه:(أنا الملك، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر).
وفي الصحيحين أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(قال الله تعالى -في الحديث القدسي-: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
وفي صحيح مسلم من حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل).