[بيعة العقبة الأولى والثانية وأثرهما على الدعوة الإسلامية]
دار الزمن وأقبل موسم الحج التالي، وخرج من المدينة اثنا عشر رجلاً يشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصمم هذا الوفد القليل الكبير أن يجتمع برسول الله عليه الصلاة والسلام، وتمت بيعة العقبة الأولى، تلك البيعة التي حطمت الجدران السوداء التي حالت بين نور الإسلام والناس، بين الدنيا ونور الآخرة، وطلبوا من الرسول صلى الله عليه وسلم بعدما تمت البيعة أن يبعث معهم رجلاً ليعلمهم دين الله جل وعلا، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم سفير الإسلام الأول، وداعية الإسلام العظيم، ذلكم الشاب المنعم المدلل، الذي كان بالأمس القريب يلبس الحرير، ويكثر من العطر والطيب فإذا مر في طريق من طرقات مكة قال الجميع: لقد مر في هذا الطريق مصعب بن عمير!.
إنه الشاب التقي النقي الذي استعلى على الشبهات والشهوات، وتعالى على ملذات الدنيا، ولبس الخشن من الثياب، وأكل الجلد مع رسول الله، وأكل ورق الشجر مع أستاذه ومعلمه في شعب مكة حين الحصار الاقتصادي، يختاره النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أول داعية إلى دين الله في المدينة المنورة، ويخرج مصعب بن عمير ليتعهد شجرة الإسلام بنفسه، التي نمت وترعرعت على يديه، حتى عاد في موسم الحج المقبل ليبشر أستاذه ومعلمه بأن فجر الإسلام قد أشرق على المدينة المنورة، واجتمع عدد كبير من الأنصار في هذا الموسم مع رسول الله، وبايعوه صلى الله عليه وسلم بيعة العقبة الثانية، على أن ينصروه إذا قدم إليهم وهاجر إليهم، وأن يمنعوه مما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم وأبناءهم، وتمت البيعة الكبرى، ونظر أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه إلى رسول الله وقال:(يا رسول الله! إن بيننا وبين الرجال حبالاً وإنا قاطعوها -أي: إن بيننا وبين اليهود حبالاً وإنا قاطعوها- فهل عسيت إن نحن فعلنا ذلك وأظهرك الله عز وجل أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟! فتبسم الحبيب صلى الله عليه وسلم وقال: كلا، بل الدم الدم، والهدم الهدم، أنا منكم وأنتم مني، أسالم من سالمتم، وأحارب من حاربتم) المحيا محياكم أيها الأنصار الأخيار، والممات مماتكم أيها الأنصار الأبرار، أنا منكم وأنتم مني.