قد يقول شاب من شبابنا وطلابنا: هذا للمسئولين؛ لكن ما دوري أنا؟ ماذا أصنع أنا في هذه الفتنة السوداء؟
الجواب
دورك: طلب العلم الشرعي والعمل به، احفظ مني هذا، فلا مخرج لك -ورب الكعبة- من هذه الفتن الحالكة! فتن الشبهات التي لا أعرف من خلال قراءتي واطلاعاتي زماناً قد كثرت فيه فتنة الشبهات كهذا الزمان أبداً؛ لا مخرج لك من هذه الفتن الحالكة إلا بطلب العلم الشرعي والعمل به، مهما كان منصبك، ومهما كانت مسئوليتك، فلابد أن تفرغ من وقتك ومن جهدك لتتعلم عن الله، وعن رسول الله.
فبالعلم الشرعي ستتعرف على الحلال والحرام، وعلى الحق والباطل، وعلى السنة والبدعة، وبالعلم الشرعي ستتعرف على عقيدتك بشمولها وصفائها وكمالها، بالعلم الشرعي ستتعرف على أسماء الجلال وصفات الكمال، بالعلم الشرعي ستحقق الإيمان بالكبير المتعال، بالعلم الشرعي ستتعرف على فتن الشهوات والشبهات، بالعلم الشرعي ستتعرف على معنى الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين، وعلى البراء من الشرك والمشركين، بالعلم الشرعي ستتعرف على حجم المؤامرة الكبرى التي تحاك للأمة وللإسلام في الليل والنهار.
لا عذر لك -ورب الكعبة- إن تقاعست عن طلب العلم الشرعي، فرغ من وقتك، فرغ من جهدك لطلب العلم الشرعي، اركب، سافر، ارحل للجلوس عند العلماء المعروفين بالعلم الشرعي؛ لتسمع منهم عن الله وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال جل وعلا:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩]، وقال سبحانه:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١]، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رءوساً جهالاً -أو رؤساء جهالاً- فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا).
واحفظ هذا: من سلك طريقاً بغير دليل ضل، إن ذهبت إلى بلد جديد وأنت لا تعرف فيه شيئاً، فإن لم تسأل دليلاً ستضل، من سلك طريقاً بغير دليل ضل، ومن تمسك بغير الأصول زل، والدليل المنير لك في الظلماء، والأصل العاصم لك من الفتن والأهواء، هو العلم والعمل، ولا تطلب العلم لمجرد الثقافة الذهنية، وإنما لتحول هذا العلم في بيتك ووظيفتك ووسيلة المواصلات والشارع إلى منهج الحياة، إلى خلق يتألق سمواً وعظمة وروعة وجلالاً؛ لأنني أدين لله بأن الصحوة الإسلامية لازالت في فجوة كبيرة بين العلم النظري والعمل.
نتكلم كثيراً لكن أين أخلاق هذا العلم؟ نحن الآن -ورب الكعبة- لا نجيد إلا الكلام، هل ورثنا العلم خشية الله؟ هل ورثنا العلم الأدب؟ هل ورثنا العلم بر الوالدين؟ هل ورثنا العلم التقوى؟ هل ورثنا العلم حسن الخلق مع إخواننا، وحسن الأدب والتعامل مع أحبابنا؟ هل ورثنا العلم قيام الليل؟ هل ورثنا العلم الأمانة في العمل؟ هل ورثنا العلم الحرص على وقت العمل؟ هل ورثنا العلم الإحسان إلى الجيران؟ أين أخلاق العلم؟! يقول المصطفى كما في الحديث الصحيح الذي رواه ابن ماجة والترمذي بسند صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب من حديث كعب بن مالك أنه صلى الله عليه وسلم قال:(من تعلم العلم ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو ليصرف وجوه الناس إليه، فهو في النار).