للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلاج العلمي للرياء]

أما العلاج العلمي: فهو أن يعلم المرائي عاقبة الرياء في الدنيا والآخرة، أما عاقبة الرياء في الآخرة: فهو إحباط العمل ورده، وأن ليس له وزن عند الله جل وعلا.

وأما عاقبة الرياء في الدنيا: فإن يظهر الله جل وعلا للناس سريرته: (فمن أرضى الناس بسخط الله، سخط الله عليه، وأسخط عليه الناس)، وقال أحد السلف: فليحذر أحدكم أن تمقته قلوب الناس وهو لا يدري، قيل: كيف ذلك؟ قال: إذا ما كان مع الناس أظهر الطاعة، وإذا ما خلا بينه وبين ربه بارز الله بالمعصية.

لابد أن يفضحه الله جل وعلا وأن يظهر سريرته، وإظهار ضد القصد أمر ثابت شرعاً وقدراً، والدليل على ذلك ما رواه البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من سمع سمع الله به، ومن يرائي يرائي الله به).

نقل الحافظ ابن حجر قول الإمام الخطابي في معنى الحديث: أن من عمل عملاً ليس خالصاً لله جل وعلا لابد أن يظهر الله للناس سره ويجعله علانية، ونحن نرى الواقع يؤكد ذلك أيضاً، فكم من الناس نسمعهم بآذاننا يقولون: إن فلاناً هذا مراءٍ، وإن فلاناً هذا منافق، سبحان الله! لأن الله جل وعلا قد أظهر سره وجعله علانية، وجعل الله البغض له في قلوب الخلق وفي قلوب العباد.

واعلم -أيها الإنسان- بأن ذم الناس لك لا يبعدك من الله إن كنت قريباً منه، وحمد الناس لك لا يقربك من الله إن كنت بعيداً عنه، والناس لا يملكون لك ضراً ولا نفعاً، ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً، ولا يدفعون عنك رزقاً، ولا يقربون لك أجلاً، فلمَ ترائي الناس وتخادع الله جل وعلا؟! أتخشى الناس والله أحق أن تخشاه؟! أتستحي من الناس ولا تستحي من الله؟! {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ} [الشعراء:٢١٨]، و {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩]؟!! فمن علم أن الناس لا يملكون له ضرّاً ولا نفعاً، ابتغى بعمله وجه الله؛ لأنه ينبغي أن نعلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك، فإذا علم المرائي الذي شتت قلبه وشتت عقله وشتت جهده لإرضاء الناس هنا وهناك، إذا علم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك كف عن الرياء، وكف عن مراءاة المخلوقين، ولو أرضى أحد كل الناس لأرضى الناس سيد الناس محمد صلى الله عليه وسلم، بل إن من عائلته وأسرته من عاداه، ومن سبه، ومن مشى خلفه ليقول للناس: هذا كاذب فلا تتبعوه! فإرضاء الناس غاية لا تدرك.

فاعلم -أيها الإنسان! وأيها المسلم! وأيتها المسلمة- بأن ذم الناس لا يبعدك عن الله إن كنت قريباً منه، وبأن حمد الناس لا يقربك من الله إن كنت بعيداً عنه جل وعلا، وذم الناس وحمد الناس وكلام الناس لا يدفع عنك رزقاً، ولا يقرب لك أجلاً، ولا يملك الناس لك ضرّاً ولا نفعاً؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرّاً ولا نفعاً فضلاً عن غيرهم.

الأمر الثاني: اللجوء إلى الله جل وعلا في طلب الإخلاص في القول والعمل والسر والعلن: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠]، ولنا في خليل الله إبراهيم الأسوة والقدوة، وهو الذي كان يتضرع إلى الله جل وعلا أن يجنبه وبنيه الشرك الأكبر فيقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥]، فإذا كان الخليل يتضرع إلى الله جل جلاله أن يجنبه الله الشرك الأكبر، فينبغي أن نتضرع إلى الله جل جلاله أن يجنبنا الشرك الأكبر والأصغر.