النقطة الرابعة والأخيرة: أن طغيان المادة قد طغى على قلوب كثير من المسلمين في هذه الأيام، فطغيان المادة وشهواتها أنست المسلم ربه وآخرته.
وأنا أذكركم وأذكر نفسي -أيها الأحباب- بأنه لا بد من أن نفكر في يوم سوف نعرض فيه أمام الله جل وعلا، ولابد أن يسأل كل واحد منا نفسه: هل ما أقدمه لإسلامي، وما أقدمه لديني يليق بكمال الله وجلال الله وعظمة هذا الدين؟ سل نفسك أيها الشاب: ما هي الغاية والهدف الذي من أجله جعلك الله في هذه الأرض؟ لقد نسينا الهدف، وظن كثير منا أن هدفه أن يخرج في الصباح الباكر للعمل، وربما ضيع صلاة الفجر، وقضى الوقت في العمل، وعاد بعد ذلك ليتناول وجبة الغداء، وبعدها ينام، ثم يقوم ليجلس أمام المسلسلات أو أمام المباريات، ثم ينام إلى الصباح.
وهكذا دواليك، وكأنه ثور معلق في ساقيه، وعندما تقول له: لماذا لا تصلي؟ يقول لك: الإيمان في القلب! والله لو في قلبه ذرة من الإيمان ما ضيع أركان الواحد الديان، وآخر يقول لك: والله! إن قلبي مثل اللبن، وما دام قلبي نظيف فلا داعي للصلاة، وإذا فتح الله عليه وهدى قلبه، وعقد العزم على الصلاة، أتاه الشيطان بصورة أحد أصحابه، فيقول له: إلى أين؟ يقول: إلى الصلاة، فانتظرني وأنا سأخطف العشاء وآتيك.
جاء رجل للإمام أبي حنيفة عليه رحمة الله، وقال له: يا إمام! لقد ضاع مني مالي! فقال له الإمام: الجأ إلى الله، انو أن تصلي الليل كله لله عز وجل، فظن الرجل أن هذه وصفة، فقال: والله بسيطة! وذهب الرجل فتوضأ، ونوى أن يقيم الليل كله، لكن بنية أن يتذكر المال، وفي أول ركعتين جاءه إبليس، وقال له: لا تتعب نفسك! فالمال في المكان الفلاني.
صلى وصام لأمر كان يطلبه فلما انقضى الأمر لا صلى ولا صام أخذ المال ونام، وغدى في الفجر إلى الإمام لكي يبشره، فبكى الإمام عليه رحمة الله، وقال: والله لقد كنت على يقين أن الشيطان لن يدعك تقيم الليل لله عز وجل.
{وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[إبراهيم:٢٢]، {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}[الحشر:١٦] إنا لله وإنا إليه راجعون! إذاً: لا بد أن تعلم وأن تتذكر -أخي الحبيب- هذه الحقيقة، وهي أن الشيطان عدو مبين للإنسان، حريص على أن يسلخه من دينه، وكثير من المسلمين قد ضيع أركان الدين، فضيع الصلاة، وضيع الزكاة، فلابد من الانتباه والعمل بما يوجبه الله.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.