[التشكيك في حملة النص]
المرحلة الثانية: التشكيك في حملة النص، وهم الصحابة رضوان الله عليهم، فحاولوا أن يقدحوا في عدالة الصحابة، وأن يشوهوا صور الصحابة، لماذا؟ ليهدموا الدين كله؛ لأن الذي نقل إلينا الدين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هم أصحابه، فهدم الصحابة هدم للدين كله.
فهذا شيخ من شيوخ الضلالة يقول في كتاب من كتبه الخبيثة، ولست ملزماً بأن أذكر أسماء هؤلاء، ولا أسماء كتبهم، حتى لا نروج لهذه الأسماء الخبيثة، ولا لهذه الكتب الضالة من حيث لا ندري، أما من اشتهر منهم بالاسم وأصبح أمره معلوماً فسنذكر اسمه إن شاء الله في الخطبة المقبلة بإذن الله، لكن مادام الاسم مطموساً، وما دام الكتاب مجهولاً، فليس من الفقه ولا من الحكمة أن أذكر أسماء هؤلاء الخبثاء ولا كتبهم، حتى لا نروج لهذه الأسماء ولا لهذه الكتب بين هذه الآلاف المؤلفة من المسلمين، وربما يتأثر ضعيف النفس بهذا فيذهب إلى كتاب من هذه الكتب الضالة فينحرف؛ لأنه لم يؤصل ابتداءً قواعد الإيمان وحقائق أصول البحث العلمي.
يقول شيخ من شيوخ الضلالة في كتاب من كتبه الخبيثة، وهو يريد أن يجرح الصحابة نقلة النصوص، إن الصحابة كانوا يمثلون مجتمعاً متحللاً مشغولاً بالرذائل والهوس الجنسي.
ثم يقول هذا الوضيع: ولم تكن التجاوزات مقصورة على مشاهير الصحابة، بل تعدتهم إلى صحابيات معروفات! ثم يقول هذا الخبيث أيضاً: لما كان التقاء الذكر بالأنثى والأنثى بالذكر طقساً يومياً من الطقوس الاجتماعية المعتادة في مجتمع يثرب، فقد اضطر محمد- هكذا بكل صفاقة وسوء أدب- فقد اضطر محمد أن يبيح لهم أن يمروا في المسجد وهم جنب.
وهكذا تبين كلماتهم الخبيثة فساد عقيدتهم، وخبث نيتهم وطويتهم، ورحم الله إمام دار الهجرة مالك بن أنس إذ يقول: من وجد في قلبه غيظاً على أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقد أصابه قول الله تعالى: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩].
يعني قول الله: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩]، قال مالك: فمن وجد في قلبه غيضاً على أحد من أصحاب النبي فقد أصابه قول الله: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩].
ويقول الحافظ أبو زرعة: إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فاعلم بأنه زنديق.
ويقول الإمام الطحاوي في عقيدته المشهورة: ونحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونبغض من يبغضهم وبغير الخير يذكرهم، فحبهم دين وإيمان وإحسان، وبغضهم كفر ونفاق وطغيان.
وما أجمل وأحلى وأرق ما قاله ابن مسعود رضي الله عنه، والأثر في مسند أحمد بسند حسن؛ قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن الله تعالى نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد صلى الله عليه وسلم خير قلوب أهل الأرض، فاصطفاه الله لرسالته ونبوته، ثم نظر الله في قلوب العباد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب أهل الأرض، فاختارهم وجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه.
وما أجمل ما قاله ابن مسعود أيضاً: من كان مستناً فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أفضل هذه الأمة؛ أبرها قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، ولإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم على آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم وسيرهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم.
فالذي اختار الصحابة هو رب العالمين، والذي زكاهم وشهد لهم هو سيد المرسلين، وسأكتفي بآية وحديث فقط، قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١٠٠].
وفي الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تسبوا أصحابي! فوالذي نفس محمد بيده لو أنفق أحدكم مثل جبل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه).
بعد هذا التكريم يأتي هذا الخبيث القزم وأمثاله من الخبثاء الأقزام؛ ليشككوا في الصحابة الذين نقلوا إلينا الدين كله.
على أي حال فلا أجد لهؤلاء الخبثاء الحاقدين مثلاً إلا كمثل ذبابة حقيرة سقطت على نخلة عملاقة، فلما أرادت الذبابة الحقيرة أن تنصرف قالت للنخلة العملاقة: تماسكي أيتها النخلة؛ لأني راحلة عنكِ! فقالت لها النخلة العملاقة: انصرفي أيتها الذبابة الحقيرة، فهل شعرتُ بكِ حينما سقطت عليَّ لأستعد لكِ وأنت راحلة عني! لا يضر السماء أن تمتد إليها يد شلاء.