مرحلة التشكيك والطعن في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، شككوا في السنة بدعوى أن فيها الضعيف والموضوع، وبدعوى أن السنة تحوي من الأحاديث ما يصطدم اصطداماً مباشراً مع النظريات العلمية المعاصرة الحديثة، فشككوا في السنة، وطعنوا في الأحاديث الثابتة الصحيحة في أصح الكتب بعد كتاب الله، في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم، وزعموا أن القرآن وحده يكفي، وهم يريدون بذلك الانتقال إلى المرحلة التي تلي هذه المرحلة، وهي مرحلة إسقاط القرآن؛ لأن القرآن لا يمكن أن يفهم بعيداً عن سنة سيد الرجال صلى الله عليه وسلم.
ورحم الله الإمام الأوزاعي العَلَم إذ يقول: القرآن أحوج إلى السنة من السنة إلى القرآن، قال الله جل وعلا:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}[الحشر:٧]، وقال جل وعلا:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}[النساء:٦٥]، وقال جل وعلا:{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا}[الأحزاب:٣٦]، وقال الله جل وعلا:{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[النور:٥١ - ٥٢].
وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي بسند صحيح من حديث المقدام بن معد يكرب:(ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكأ على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة المعاهد)، وفي لفظ:(فإنما حرم رسول الله كما حرم الله عز وجل)، فرسول الله مشرع:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:١] قال ابن عباس: أي: لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة.
قال القرطبي: أي: لا تقدموا قولاً على قول الله، أو على قول وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن من قدم قوله أو فعله على قول الله أو على قول وفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنما قدمه على الله؛ لأن الرسول لا يأمر إلا بما أمر به الله عز وجل.
قال الشنقيطي: ويدخل في الآية الكريمة دخولاً أولياً تشريع ما لم يأذن به الله، فلا حلال إلا ما أحله الله ورسوله، ولا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله، ولا دين إلا ما شرعه الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
{لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}[التوبة:٦٦]) قد كفرتم أيها المجرمون! أيها المرتدون! يا من ملأتم أقلامكم بمداد نجس قذر عفن، وأعلنتم الحرب على ثوابت الإسلام، وعلى أركان وأصول الدين.
أعلنوا الحرب على السنة، وأنكروا حجية السنة، وطعنوا وشككوا في السنة، ثم انتقلوا إلى الخطوة الرابعة ألا وهي: