وقد يئن الحضور جميعاً من آبائنا وشبابنا ويقول الجميع: سامحك الله أيها الشيخ! تتكلم عن سادة التوكل من السلف! وأنت تعلم أننا نعيش الآن زماناً يختلف عن الزمان، ومكاناً يختلف عن المكان؟ وأنا أقول: والله لن تخلو أمة الحبيب من المتوكلين أبداً، (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك).
من أجل ذلك تعمدت أن أختم هذا اللقاء مع حضراتكم بهذه الكلمات الرقيقة، لأخت فاضلة متوكلة من أخواتنا، سجن زوجها لسبب ما -وهم من الفضلاء- ورزق الله هذه الأخت الفاضلة ببنت صغيرة وزوجها في السجن، ومرضت البنت في ليلة من الليالي، ارتفعت حرارتها ارتفاعاً كبيراً، حتى انتظرت الأم موت ابنتها.
تقول: والله وأنا لا أملك إلا أن أبكي، وأرفع أكف الضراعة إلى الله، فأنا لا أملك لابنتي ثمن الدواء، فأنا أشهد الله لقد كنا نبيت بغير عشاء.
تقول: جلست إلى جوارها لأضع لها الماء البارد على جبينها، وأنا أبكي وأتضرع إلى الله، وفي الساعة الثانية ليلاً سمعت الباب يدق، تقول: ففتحت الباب، فرأيت طبيباً يحمل حقيبته ويقول: السلام عليكم! قلت: وعليكم السلام، فقال: أين البنت المريضة؟ تقول: فارتجف جفني وقلت: تفضل! موجودة يا دكتور، فدخل الطبيب وكشف على البنت وكتب الدواء وخرج، فوقف خارج الباب ثم قال: أسرعي يا أخت! قالت: ماذا تريد يا دكتور؟ قال: قيمة الكشف، قالت: والله لا أملك، قال: عيب عليك! تتصلي علي الساعة الثانية ليلاً وأجيء وأكشف على البنت ثم تقولين: لا أملك شيئاً! قالت: والله ما اتصلت، وليس عندي تلفون، قال: أليس هذا بيت فلان، قالت: لا، بل هو البيت الذي بجوارنا، فبكى الطبيب وقال: ما حكايتك؟ وما قصتك؟ فوالله ما أخرجني الله إلا لك! فبكت المرأة وقصت عليه القصة، فبكى الطبيب، وعاد مسرعاً، فأحضر الدواء وأحضر العشاء، وجعل لهذه المرأة الفاضلة راتباً شهرياً حتى خرج زوجها، تقسم بالله وتقول: لما خرج الزوج كان يضيق بنا الحال، فكنت أبتسم وأقول لزوجي: اذهب وسافر فإن ربنا يرزقنا.
(لو أنكم توكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً).
اللهم لا تدع لأحد منا في هذا الجمع المبارك ذنباً إلا غفرته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا طائعاً إلا زدته وثبته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها يا رب العالمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً، اللهم إنا نسألك أن تذيقنا حلاوة التوكل عليك، اللهم إنا نسألك أن تذيقنا حلاوة التوكل عليك، وبرد اليقين فيك، ولذة الثقة بك يا أرحم الراحمين! اللهم اهدِ نساءنا وبناتنا، واهدِ أولادنا، وأصلح شبابنا، {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}[الفرقان:٧٤].
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، ومكن للمجاهدين في كل مكان يا رب العالمين! واجعل مصر واحة للأمن والأمان وجميع بلاد المسلمين، اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً أمناً وأماناً وجميع بلاد المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين! وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.