للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[فضل قراءة القرآن في شهر رمضان]

ثانياً: رمضان شهر القرآن.

قال تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة:١٨٥].

أيها الأحبة! كان سلفنا الصالح رضي الله عنهم إذا دخل عليهم رمضان فرغوا جل وقتهم لقراءة القرآن، حتى قال الزهري: (إذا دخل رمضان فإنما هو لقراءة القرآن، ولإطعام الطعام).

وكان إمام دار الهجرة مالك بن أنس إذا دخل شهر رمضان فرغ جل وقته لقراءة القرآن، وترك قراءة الحديث النبوي الشريف.

فاقرأ القرآن، ولا يخرج عنك الشهر إلا وقد قرأت القرآن على أقل تقدير مرة؛ فإن السلف رضوان الله عليهم منهم من كان يختم القرآن في رمضان في كل ثلاث ليال مرة، فلا تضيع رمضان إلا وقد قرأت كتاب الله كله مرة على أقل تقدير، فإن قرأت القرآن أكثر من ذلك فأنت على خير، واسمع ماذا قال لك حبيبك المصطفى -والحديث رواه الترمذي وصححه الألباني من حديث ابن مسعود - قال عليه الصلاة والسلام: (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: (الم) حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف).

وفي صحيح مسلم من حديث أبي أمامة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه).

وفي الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة -أي: مع الملائكة- والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) فللقارئ أجر على قراءته، وأجر على مشقته وصبره على هذه المشقة.

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا حسد -والحسد هنا بمعنى: الغبطة- إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار).

فيا أيها الحبيب الكريم! اجعل لنفسك في رمضان وقتاً لقراءة القرآن، وضع لنفسك -من اليوم- برنامجاً عملياً للطاعة، واعلم أن أعلى هذه الطاعات في رمضان أن تفرغ جل وقتك لقراءة القرآن.

ووالله لقد هجرت الأمة القرآن في هذه الأيام هجراً مروعاً، والهجر أنواع كما قال ابن القيم طيب الله ثراه: هجر التلاوة، وهجر السماع، وهجر التدبر، وهجر العمل بأحكامه، وهجر التداوي به.

ويوم أن هجرت الأمة القرآن أذلها الله لمن كتب الله عليهم الذل والذلة، ولا عزة ولا كرامة لهذه الأمة إلا إذا عادت من جديد إلى أصل عزها وشرفها وهو كتاب ربها جل وعلا؛ كما قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٣ - ١٢٤] وها نحن نرى الأمة تعيش عيشة الضنك والشقاء في كل مجال من مجالات الحياة، وما ذاك إلا يوم أن أعرضت عن كتاب الله، أسأل الله جل في علاه أن يرد الأمة إلى القرآن رداً جميلاً؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.