[الغرب وحضارة الذئاب]
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح للأمة، فكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه، واستن بسنته، واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فحياكم الله جميعاً أيها الآباء الفضلاء! وأيها الإخوة الأحباب الكرام الأعزاء! وطبتم جميعاً وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله العظيم الحليم الكريم جل وعلا الذي جمعنا في هذا البيت الطيب المبارك على طاعته أن يجمعنا في الآخرة مع سيد الدعاة المصطفى في جنته ودار مقامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أحبتي في الله! (عندما ترعى الذئاب الغنم) هذا هو عنوان لقائنا مع حضراتكم في هذا اليوم الكريم المبارك، وكعادتنا حتى لا ينسحب بساط الوقت من بين أيدينا سريعاً، فسوف أركز الحديث مع حضراتكم تحت هذا العنوان في العناصر التالية: أولاً: الغرب وحضارة الذئاب.
ثانياً: حتى تتبع ملتهم.
ثالثاً: هذا هو طريق النجاة.
وأخيراً: ولا تهنوا ولا تحزنوا.
والله أسأل أن يقر أعيننا وإياكم بنصرة الإسلام وعز الموحدين، وأن يشفي صدور قوم مؤمنين، وأن يرفع الهم والغم والكرب عن أمة سيد النبيين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أولاً: الغرب وحضارة الذئاب: أحبتي في الله! لقد ابتليت الأمة الإسلامية بنكبات وأزمات كثيرة على طول تاريخها، مروراً بأزمة الردة الحادة والهجمات التترية الغاشمة، والحروب الصليبية الطاحنة، وزوال ظل الخلافة الراشدة المسلمة، وضياع القدس الشريف وانتهاءً بأزمة العراق المخزية.
كانت الأمة في الماضي مع كل هذه الأزمات تمتلك مقومات النصر، من إمام صالح، وثقة في الله، واعتزاز بهذا الإسلام العظيم، ولكن الأمة في واقعنا المعاصر مع هذه الأزمات فقدت جل مقومات النصر، إذ إن الأمة قد انحرفت انحرافاً مروعاً عن منهج رب العالمين، وعن طريق سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، انحرفت الأمة في الجانب العقدي والتعبدي والتشريعي والأخلاقي والفكري، بل وحتى في الجانب الروحي ولا حول ولا قوة إلا بالرب العلي! انحرفت انحرافاً مزرياً في جميع مجالات الحياة؛ فحق عليها قول الصادق الذي لا ينطق عن الهوى كما في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود من حديث ثوبان (يوشك أن تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، قالوا: أو من قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟! قال: كلا، وإنكم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل، وليوشكن الله أن ينزع المهابة من قلوب عدوكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قيل: وما الوهن يا رسول الله؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت).
لقد أصبحت الأمة الآن قصعة مستباحة لأرذل ولأذل وأحقر أمم الأرض؛ لأن الأمة قد تحولت إلى غثاء من النفايات البشرية تعيش على ضفاف مجرى الحياة الإنسانية كدويلات متناثرة، بل متصارعة، بل متحاربة، تفصل بين الأمة حدود جغرافية مصطنعة، ونعرات قومية جاهلية منتنة، وترفرف على سماء الأمة رايات القومية والوطنية، وتحكم الأمة قوانين الغرب العلمانية، وتدور بالأمة الدوامات السياسية، فلا تملك الأمة نفسها عن الدوران، بل ولا تختار لنفسها حتى المكان الذي تدور فيه.
ذلت الأمة بعد عزة، وضعفت الأمة بعد قوة، وإن ما رأيناه في الأيام الماضية -ولم تنته فصول هذه المسرحية بعد- من تهديد أمريكي صارخ لا للعراق فحسب، بل للأمة كلها، وإن ما نراه من هذا الواقع المر الأليم ليؤكد حالة الذل والهوان التي تحياها أمتنا في هذه الأيام.
أيها الأحبة! إن ما يجري لأمتنا يقع وفق سنن ربانية لا تتبدل ولا تتغير، ولا تحابي أحداً من الخلق بحال مهما ادعى لنفسه من مقومات المحاباة، ولن تعود الأمة إلى مكانتها الطبيعية إلا وفق هذه السنن التي لا يجزي معها تعجل الأذكياء، ولا وهم الأصفياء، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، ما هذا الواقع وهذا التهديد، بل وهذه الجيوش الرابضة الآن في أرض الإسلام في أرض الخليج العربي المسلم من حاملات الطائرات، وما هذه الأعداد الهائلة من الأفراد إلا تأكيداً صريحاً على حضارة الغرب المادية الوحشية البربرية.
إنها حضارة الذئاب رغم الدجل الإعلامي والعهر السياسي، ورغم أنف العجوز الشمطاء اليهودية مادلن أولبريت التي تصرخ هنا وهناك بما يسمونه احترام الشرعية الدولية، ولا تصدقوا من يقول: إنها سياسة الكيل بمكيالين، لا.
إنه مكيال واحد، إنه مكيال العداء لمحمد بن عبد الله وللإسلام في كل زمان ومكان، إنه كلام ربنا وكلام الصادق نبينا الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون! ينبغي أن نفيق من هذا النوم العميق، وأن نستيقظ من هذا السبات الذي طال، فإن حضارة الغرب هي حضارة الذئاب والأفاعي هي حضارة الثعالب هي الحضارة الوحشية البربرية الظالمة هي الحضارة السوداء، وإن شعار هذه الحضارة بلا نزاع: البقاء للأقوى، كما هو مشاهد في هذا العالم اليوم على الرغم من وجود مجلس الأمن، وهيئة الأمم، وعلى الرغم من وجود حلف الأطلسي إلى آخر هذه الأحلاف والهيئات، التي ما جعلت أصلاً إلا لتضمن البقاء للنظام العالمي الكبير الذي يتحكم في بنوده وأصوله وفروعه يهود الأمريكان.
إنه عالم الغرب الذي يمتطي الآن جواد الحضارة ويسوم البشرية سوء العذاب، فلقد ذاقت البشرية في عهد الرجل الغربي ما تستحي الوحوش الضارية في عالم الغابات أن تفعله ببعضها البعض.
ولم العجب؟ أليست الحضارة الأمريكية الظالمة هي الحضارة التي ألقت القنابل النووية المذيبة على هيروشيما ونجازاكي؟! أنسيتم أن الأمريكان هم الذين دمروا بالقنابل النووية هيروشيما ونجازاكي؟ أليست هي الحضارة الغاشمة التي أبادت شعب الهنود الحمر عن بكرة أبيه؟! إذاً: لا عجب إذا رأينا الحضارة الغربية المادية الآن تريد أن تمحو من على وجه الأرض شعب العراق، ولو استطاعت الحضارة الغربية المادية أن تمحو من على وجه الأرض الشعوب الإسلامية لفعلت ذلك من أجل سواد عيون اليهود، وصدق ربي إذ يقول: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} [البقرة:١٢٠].
قالوا لنا الغرب قلت صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا أين أطفال العراق الذين يموتون بعشرات الآلاف والإعلام الأمريكي بل والغربي يظهر الجنازات للأطفال بالعشرات بل بالمئات؟! أين من يرقصون على مسرح الحريات؟! أين من يتغنون بحقوق الإنسان؟! أين من يتغنون بحقوق الحيوان؟! أين هم من أطفال صغار لا يجدون طعاماً ولا شراباً ولا دواءً؟ ويزداد الهم حينما نرى بعض المسلمين لا يتعاطفون مع صدام المجرم إلا لأنه وقف ضد الأمريكان، وهذا فهم عقيم سقيم، فلم يعد ولاء هذه الأمة لله ولا لرسوله صلى الله عليه وسلم، فوالله لو وجدت أمريكا في عملائها أفضل من صدام ما أبقته على كرسي الحكم يوماً واحداً، إنه الدجاجة التي تبيض كل يوم لأمريكا بيضة من الذهب الخالص: قالوا لنا الغرب قلت صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا لكنه خاو من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزيناً الغرب مقبرة المبادئ لم يزل يرمي بسهم المغريات الدينا الغرب مقبرة العدالة كلما رفعت يد أبدى لها السكينا الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلامَ يحمل قومنا الزيتونا كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهونا أنا لا ألوم الغرب في تخطيطه لكن ألوم المسلم المفتونا وألوم أمتنا التي رحلت على درب الخضوع ترافق التنينا وألوم فينا نخوة لم تنتفض إلا لتضربنا على أيدينا يا مجلس الأمن المخيف إلى متى تبقى لتجار الحروب رهينا إلى متى ترضى بسلب حقوقنا منا وتطلبنا ولا تعطينا لعبت بك الدول الكبار فصرت في ميدانهن اللاعب الميمونا يا مجلساً غدا في جسم عالمنا مرضاً خفياً يشبه الطاعونا شكراً لقد أبرزت وجه حضارة غربية لبس القناع سنينا شكراً لقد نبهت غافل قومنا وجعلت شك الواهمين يقينا يا مجلس الأمن انتظر إسلامنا سيريك ميزان الهدى ويرينا إن كنت في شك فسل فرعون عن غرق وسل عن خده قارونا {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:١٤]، إنها حضارة الذئاب! أما آن للعلمانيين أن يحترموا أنفسهم وعقولهم؟! أما آن للمسلمين أن يفيقوا وأن يستبينوا سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين؟ أيها الأحبة: لابد أن يوحد الآن الصف المسلم، فنحن في أمس الحاجة إلى هذا التوحد؛ لينصر المسلمون دينهم بكل سبيل؛ وليقفوا على الصف الذي يستبين فيه الرجل العادي سبيل المؤمنين من سبيل المجرمين.