أيها الغافل! يا من شغلتك هذه الحياة! أنسيت لقاء الله عز وجل؟! أيها الأحبة! ها هو شهر رمضان قد أهل علينا بأنفاسه الخاشعة الزكية، ولا زال كثير من المسلمين في غيه وإعراضه وضنكه وشقائه وضلاله، يستمع إلى القرآن وكأن الأمر لا يعنيه يستمع الموعظة لكنها لا تهز قلبه يستمع إلى النهي من الله ومن رسول الله فلا يرعوي في الوقت الذي لو أمره فيه رئيسه في العمل لامتثل أمره ولاجتنب نهيه ولوقف عند الحدود التي رسمها له.
وإن من الناس من يغتر بنعم الله عليه، فيظن أن هذه النعم إنما هي أصل لرضا الله عنه، ويقول: لولا أن الله عز وجل قد رضي عني ما أنعم علي بهذه النعم! فهو مغتر بنعم الله ونسي هذا المسكين أنه مستدرج.
أيها المسلمون! تدبروا معي هذا، فالابتلاء بالنعيم أقسى من الابتلاء بالضيق والشدة؛ لأن الابتلاء بالنعيم يلهي وينسي ويطغي إلا من رحم ربك جل وعلا، فصاحبه يظن أن الله ما أنعم عليه إلا لأنه قريب من الله تبارك وتعالى!! كلا، انظر إلى أهل الكفر في الشرق والغرب فقد أنعم الله عز وجل عليهم، وفتح عليهم أبواب كل شيء، فهل هذا دليل على أن الله قد رضي عن الكفر وأهله؟! لا والله، ولكن النعم استدراج لأهل الكفر المعاصي، وتدبر حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه أحمد في مسنده والبيهقي في الشُعب وحسن الحديث الحافظ العراقي وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة من حديث عقبة بن عامر أنه صلى الله عليه وسلم قال:(إذا رأيت الله جل وعلا يعطي العبد ما يُحِب وهو مقيم على معصية الله فاعلم بأنه استدراج له من الله عز وجل، وقرأ النبي قول الله تعالى:{فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:٤٤ - ٤٥]).
(فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ)، أي: لما تغافلوا عن الأوامر والنواهي والحدود وكان المفترض أن تكون النتيجة: خسفنا بهم الأرض أنزلنا عليهم الريح، أو أنزلنا عليهم العذاب والخسف والصيحة، ولكن:{فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الأنعام:٤٤ - ٤٥].