لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن أرض مكة صلدة قاسية لا تقبل بذرة التوحيد، وليست صالحة لتلقي الخير، انطلق الحبيب إلى الطائف يبحث عن أمل يبحث عن قلوب حانية لعلها تحمل هذا النور.
انطلق الحبيب صلى الله عليه وسلم على قدميه المتعبتين، لا يركب الراحلة؛ لأنه لا يمتلك الراحلة إذ ذاك، تحت شمس محرقة تكاد تذيب الحديد والصخور والحجارة، وعلى رمال ملتهبة إذا ما انعكست عليها أشعة الشمس كادت أن تخطف الأبصار، وكل من ذهب إلى تلك البلاد في حج أو عمرة، يعلم طبيعة هذه البيئة وشدة حرارتها.
انطلق الحبيب صلى الله عليه وسلم في هذه الجو وهو متعب يتألم، لاسيما وقد ازداد حزنه بموت زوجته خديجة وبموت عمه أبي طالب الذي كان حائطاً منيعاً لحملات المشركين في الخارج.
انطلق النبي صلى الله عليه وسلم وقد امتلأ قبله بالحزن مشياً على الأقدام، لا يريد مالاً ولا يريد جاهاً ولا يريد وجاهة، إنما يريد لهؤلاء خيري الدنيا والآخرة، ولكن أهل الطائف فعلوا بالمصطفى ما لم يكن يتوقع، وما لم يكن يخطر بباله، فلقد سلطوا عليه الصبيان والسفهاء فرموه بالحجارة حتى أدمي الحبيب المصطفى بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم.
إنه المؤيد بمدد السماء إنه المؤيد بوحي السماء تلقى عليه الرمال، ويلقى عليه التراب، ويقذف بالحجارة حتى يسيل الدم الطاهر من جسده صلى الله عليه وسلم، وحتى ألجأه الصبيان والسفهاء إلى بستان لبني ربيعة، وهنالك رفع أكف الضراعة إلى الله كما في الحديث وإن كان شيخنا الألباني قد ضعفه، إلا أن الحديث قد رواه الإمام الطبراني وقال الإمام الهيثمي في مجمع الزوائد: ورجاله ثقات ما عدا ابن إسحاق وهو مدلس ثقة، وقد رأيت شاهداً آخر يقوي هذا الحديث عند ابن إسحاق موصولاً وكلاهما يقوي بعضهما الآخر، ولا بأس أن أستشهد به لا أن أستأنس به.
لجأ الحبيب إلى الله بهذه الدعوات الصادقة، فقال:: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس! يا أرحم الراحمين! أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمنى؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟! إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، أسألك بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، ألا تنزل بي غضبك، أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك).