وبعد هذه المرحلة السرية نزل قول الله عز وجل:{وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ}[الشعراء:٢١٤]، {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}[الحجر:٩٤] فقام الحبيب ملبياً أمر الله، فوقف على جبل الصفا، ونادى على بطون مكة: يا بني فهر! يا بني عدي! يا بني كذا! يا بني كذا! -والحديث في الصحيحين- فالتف حوله الناس من أهل مكة، ووقفوا بين يديه وعلى رأسهم أبو لهب وقام الحبيب صلى الله عليه وسلم ليقيم الحجة على قومه بلغة النبوة، فقال:(أرأيتم لو أني أخبرتكم: أن خيلاً وراء هذا الوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: بلى، ما جربنا عليك كذباً قط، فقال الحبيب المصطفى: فإني رسول الله إليكم، فكان أول من تكلم أبو لهب عليه من الله ما يستحقه حيث التفت إلى الحبيب وقال: تباً لك سائر اليوم يا محمد!) إن أول من عادى الحبيب المصطفى عمه الذي قال له يوم الصفا: (تباً لك سائر اليوم يا محمد! ألهذا جمعتنا؟! فنزل قول الله عز وجل:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ}[المسد:١ - ٥])، وبعد ذلك رعدت مكة وأبرقت، ودقت طبول الحرب على رأس المصطفى وأصحابه، وانطلقت مكة على قلب رجل واحد لتصب البلاء والإيذاء صباً على رأس المصطفى صلى الله عليه وسلم، حتى ورد في صحيح البخاري أن عقبة بن أبي معيط -عليه لعنات الله المتوالية- انطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فخنقه خنقاً شديداً حتى كادت أنفاس المصطفى أن تخرج بين يديه، فجاء الصديق ليدفع هذا الفاجر الكافر عن رسول الله وهو يقول: أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم؟! وورد في تاريخ الطبري أنهم وضعوا التراب على رأسه إلى آخر ما تعرض له الحبيب المصطفى من أذى ومحن وفتن وابتلاءات.