انظر إلى حضارة الإسلام، ماذا قال محمد صاحب السنة صلى الله عليه وسلم؟ جاء ليؤصل الحضارة تأصيلاً، وأنت تعلم -ولا ينكر ذلك منصف على وجه الأرض- أن الأوروبيين قد استمدوا الحضارة في عنصرها المادي الأول من المسلمين في الأندلس، كانت الأندلس مضاءة بضوء الكهرباء في الوقت الذي كان فيه أهل فرنسا يعيشون في الوحل والظلام، فالجانب المادي من عندنا أيضاً، لكن المسلمين انتكسوا وتركوا المنهج وحادوا عن الطريق، فزلوا في الجانب الخلقي وفي الجانب المادي، وأنا أقرر ذلك بأعلى صوتي وملء فمي من باب العدل والإنصاف، فإن المسلمين قد تخلوا عن العنصر الخلقي والمادي الآن، فتعرضوا لهذا الذل والهوان على يد ابن الحضارة الغربية التي امتطى جوادها الآن.
سقى ابن هذه الحضارة المسلمين كئوس الذل والهوان أشكالاً وألواناً، بينما جاء المصطفى ليؤصل وليبين معنى الحضارة بمفهومهم هم، فتدبر معي هذه الطائفة الكريمة من الأحاديث- قال عليه الصلاة والسلام:(من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، وأن الجنة حق والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)، وفي رواية عتبان بن مالك:(فإن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله تعالى).
ولا زالت الحضارة المادية الأرضية كلها تتخبط في تصورها للإله الذي خلق وأبدع ودبر، لا زالت تتخبط في فهمها للحياة الدنيا، وفي فهمها للحياة الآخرة، وفي فهمها لحياة البرزخ، فجاء النبي فوضح لنا كل هذه الحقائق، وقال عليه الصلاة والسلام -كما في الحديث الذي رواه أحمد بسند صحيح:(ألا إن ربكم واحد، ألا إن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، قال تعالى: ((إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)) [الحجرات:١٣]).
وفي الصحيحين أن امرأة من بني مخزوم سرقت، وكانت شريفة من الأشراف، فقالت قريش: كيف يقطع النبي يد شريفة؟ فقالوا: من يشفع لها عند رسول الله، قالوا: لا يشفع لها إلا حب رسول الله أسامة بن زيد، فلما انطلق أسامة ليشفع لهذه المرأة غضب النبي وقال:(أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟ وارتقى النبي المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: إنما هلك من كان قبلكم بأنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
هذا وتتغنى الحضارة الغربية بأنها أول من أصلت قضية الرفق بالحيوان! لا وألف لا، فقبل أربعة عشر قرناً قال نبينا صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس:(إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، وهو الذي قال كما في الصحيحين:(بينما بغي -يعني: زانية- من بغايا بني إسرائيل تمشي إذ مر عليها كلب يأكل الثرى من العطش، فعادت إلى بئر ماء، فملأت موقها ماء وقدمته للكلب فشرب، فغفر الله لها بذلك)، وهو الذي قال كما في الصحيحين:(دخلت امرأة النار في هرة -قطة- حبستها، فلا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض).