تذكر أيها المسلم! تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً: أين المال؟! أين المنصب؟! أين الجاه؟! ذهب إلى غير رجعة: مثل وقوفك يوم العرض عُريانا مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهبُ من غيظ ومن حنقٍ على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبد على مهلٍ فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا لما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا المشركون غدا في النار يلتهبوا والمؤمنون بدار الخلد سكانا تذكر: {فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ}[الكهف:٤٩] مما في هذا الكتاب: {وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا}[الكهف:٤٩] كم من معصية يا مسكين قد كنت نسيتها ذكرك الله إياها! وكم من مصيبة قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها! فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت في دنياك من طاعة مولاك!! يا حسرة قلبك وقتها على ما كنت فيه من غفلة في هذه الحياة الدنيا؟! أخي الحبيب! تدبر قول الصادق المصدوق الذي يقول في الصحيحين من حديث عمرو بن عوف الأنصاري:(والله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بُسطَت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم).
قال تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ}[التكاثر:١ - ٢] أي: شغلتكم الدنيا شغلتكم الشهوات حتى زرتم المقابر انتبهتم عاينتم الحقائق التي أنكرتموها في هذه الحياة، إما بلسان الحال أو بلسان المقال.
وانظر إلى هذا التعبير القرآني اللطيف في كلمة (زرتم) فكأن الميت في قبره ما هو إلا زائر وحتماً ستنقضي مدة الزيارة وإن طالت ليرى نفسه بعد هذه الزيارة قد وقف بين يدي الله جل وعلا ليسأل عن كل شيء قدمه في هذه الحياة.