للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[لا تدرك السعادة بمحاكاة الغرب]

هناك صنف ثالث يظن أن السعادة الحقيقية في أن يسافر إلى الغرب، وأن يستورد أفكاره، فهؤلاء هم الذين يعيشون في سعادة من وجهة نظرهم، وأنا أقول لكم أيها الأخيار: والله الذي لا إله غيره! من سافر إلى بلاد الغرب علم يقيناً أن هؤلاء يعيشون الضنك بكل معانيه.

نعم.

هم حولوا العالم كله إلى قرية صغيرة عن طريق هذه التقنية المذهلة في عالم الاتصالات والمواصلات، فجَّروا الذرة، وانطلقوا في أجواء الفضاء، وغاصوا في أعماق البحار، وأعطوا البدن كل ما يشتهيه، وبقيت الروح في أعماقهم تصرخ، تبحث عن غذائها ودوائها، وهنا وقف الغرب أمام الروح وقفة العاجز، لماذا؟ لأن الروح لا توزن بالجرام، ولا تقاس بالترمومتر، ولا تخضع لبوتقة التجارب في معامل الكيمياء والفيزياء، فوقف الغربي حائراً عاجزاً.

إن المتابع للإحصائيات الأخيرة سيعجب عجباً حينما يرى هذا الانتشار السريع لعيادات الطب النفسي، ولحالات الانتحار الجماعي؛ لأن الإنسان بدن وروح، ولا يمكن لطائر جبار أن يحلق في أجواء الفضاء بجناح واحد لمدة طويلة، فإن طار وإن طالت مدة طيرانه سيسقط حتماً لينكسر جناحه الآخر، وهنا يقول الحق جل وعلا عند الروح: {وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً} [الإسراء:٨٥] فالإنسان جسد وروح، ومحالٌ أن يجد الإنسان غذاء هذه الروح إلا في منهج الخالق جل جلاله، قال سبحانه: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:١٤].

كنت ألقي محاضرة في المركز الإسلامي في لوس أنجلوس، ودخل عليّ أمريكي مع أخوين مسلمين، وقطعا الأخوان محاضرتي وقالا لي: نريد أن تنطق هذا الأمريكي الشهادتين.

قلت: الحمد لله، تقدم يا أخي، وقبل أن ينطق الشهادتين، قلت له: لماذا أتيت مسلماً وأنت ترى واقع المسلمين لا يسر عدواً ولا حبيباً.

رد عليّ الأمريكي وقال: يا أخي أنا رجل ثري، أملك الشركات والأموال الطائلة، ومع ذلك يقول: فكرت في الانتحار أكثر من عشر مرات، يريد أن يتخلص من الحياة، لا يشعر للحياة بلذة ولا بذوق ولا بطعم، يقول: وعندي هذا الأخ، وأشار إلى موظف مع الأخوين اللذين جاءا معه، هذا الأخ الموظف عندي في إحدى شركاتي، ما من مرة أدخل عليه إلا وأراه مبتسماً نشيطاً في عمله، أميناً في عمله، صادقاً جاداً، فاقترب منه هذا الأمريكي وقال: يا أخي، ما من مرة أدخل عليك إلا وأرى السعادة تعلو وجهك، وأرى عليك الجد والنشاط والحيوية، وأنا صاحب هذه الشركة لا أشعر بما تشعر به، فرد عليه هذا الأخ الذي كان مثالاً للمسلمين، إذ أنني أعتقد من كثرة سفراتي إلى هذه البلاد أن المسلمين هم حجر العثرة في طريق التزام هؤلاء بالإسلام؛ لأن الأمريكي أو الغربي ينظر إلى كثير من المسلمين فيراهم قد انحرفوا عن منهج رب العالمين، هذا يشرب الخمر، وهذا يبيع الخنزير في محله، وهذا يعاقر الزنا، يقول: فما الفرق بيني وبينه؟! إذاً: لو كان المسلم مثالاً حقيقياً لهذا الدين بأخلاقه وسلوكه؛ لتغيرت هذه الصورة المقززة، التي نقلت إلى الغرب والشرق عن الإسلام والملتزمين المسلمين.

يقول: فرد عليَّ هذا الأخ المسلم وقال لي: الحمد لله أنا أشعر بالسعادة؛ لأنني مسلم.

قال: وما معنى ذلك؟ وهل المسلم يشعر دوماً بالسعادة؟ قال: نعم؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم علمنا حديثاً صحيحاً في صحيح مسلم من حديث أبي يحيى صهيب يقول: (عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن؛ إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له).

فرد الأمريكي وقال: فهل لو دخلت الدين الذي أنت عليه سأشعر بالسعادة التي تشعر بها؟ قال: نعم.

قال: أدخلني، دلني، فأمره بالاغتسال، فاغتسل وجاء به إلى المركز الإسلامي؛ ليعلن الشهادة، ووالله يا إخوة، ما إن وقف الأمريكي ليردد خلفي كلمة الإيمان والتوحيد إلا وبكى بكاءً هستيرياً طويلاً، فأراد الإخوة أن يسكتوه، فقلت لهم: دعوه، فلما أنهى بكاءه وجلس قلت له: لماذا بكيت؟ فقال لي: أشعر الآن بشيء من الفرح في صدري ما شعرت به قبل ذلك.

قلت: صدق ربي إذ يقول: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه:١٢٣ - ١٢٤] إنها نعمة شرح الصدر والهداية، لا يتذوق طعمها إلا من ذاقه وعرفه.

قالوا لنا الغرب، قلت: صناعة وسياحة ومظاهر تغرينا

لكنه خاوٍ من الإيمان لا يرعى ضعيفاً أو يسر حزينا

الغرب مقبرة المبادئ كلما رفعت يداً أبدى لها السكينا

الغرب يكفر بالسلام وإنما بسلامه الموهوم يستهوينا

الغرب يحمل خنجراً ورصاصة فعلام يحمل قومنا الزيتونا

كفر وإسلام فأنى يلتقي هذا بذلك أيها اللاهونا