والصبر شرعاً: حبس النفس عن الجزع، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن المعاصي، وهو ينقسم إلى ثلاثة أقسام: صبر على المأمور: أي: صبر على الطاعة.
وصبر عن المحظور: أي: صبر عن المعصية.
وصبر على المقدور: أي: على ما قدره الله عليك من المصائب والمحن والبلايا.
والصبر الجميل: هو الذي يبتغي به العبد وجه الله الجليل، لا حرجاً من أن يقول الناس: جزع، ولا أملاً في أن يقول الناس صَبر، وإنما يبتغي بصبره وجه الله جل وعلا، يصبر واثقاً في الله، مطمئناً بقضاء الله وقدره، مستعلياً على الألم، مترفعاً على الشكوى.
والتحقيق أن الشكوى نوعان: شكوى إلى الله، وشكوى من الله، أعاذنا الله وإياكم منها.
فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر -أيها الأخيار الكرام- فلقد مدح الله نبيه أيوب عليه السلام، وأثبت له الصبر في قرآنه، فقال حكاية عنه، وقد رفع أيوب شكواه إلى مولاه {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}[ص:٤١].
وأثنى الله على عبده أيوب عليه السلام فقال جل وعلا:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}[ص:٤٤]، ومع ذلك فقد رفع نبي الله أيوب شكواه إلى الله، كما قال الله جل في علاه:{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[الأنبياء:٨٣].
فالشكوى إلى الله لا تنافي الصبر.
أما الشكوى من الله -أعاذنا الله وإياكم منها- فهي شكوى للمخلوق من الخالق.
فإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم