[الحرص على الخير والإكثار منه لاسيما في شهر الخير]
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، فاللهم اجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وصل اللهم وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الحبيب الكريم! أختم بهذه الكلمة -وتذكروها جيداً- فأقول: إننا اليوم قد أهلّ علينا شهر رمضان.
وبعد انتهائه سنقول جميعاً: قد انتهى رمضان، وهكذا رمضان في كل عام، فإنه يأتينا ثم يمضي من بين أيدينا سريعاً، فيربح الرابح، ويخسر الخاسر.
فيا أيها الحبيب الكريم انتبه! واحمد الله أن وجدت من يذكرك بهذه الحقيقة من الآن، واحفظ وقتك، فإني أتألم كثيراً حينما أسمع من أحبابي من يقول: ذهبنا إلى المكان الفلاني لنضيع الوقت! وقتك غالٍ أيها الموحد! وقتك يساوي جنة أو ناراً، فساعة في الطاعة تقربك من الجنة، وساعة في المعصية تقربك من النار، والعياذ بالله.
فيا أيها الحبيب الكريم! احفظ وقتك، واعلم أن العمر قصير وأن الأجل قريب، وأن الدنيا مهما طالت فهي قصيرة، ومهما عظمت فهي حقيرة، وأن الليل مهما طال لابد من طلوع الفجر، وأن العمر مهما طال لابد من دخول القبر.
لقي الفضيل بن عياض رجلاً فقال له الفضيل: كم عمرك؟ فقال الرجل: ستون سنة، فقال الفضيل: إذاً أنت منذ ستين سنة تقطع الطريق إلى الله، يوشك أن تصل، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون! فقال الفضيل: يا أخي! هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إليه راجع، فقال الفضيل: يا أخي! فمن عرف أنه لله عبد، وأنه إليه راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جواباً، فبكى الرجل، وقال: يا فضيل! وما الحيلة؟ قال الفضيل: يسيرة، قال: ما هي يرحمك الله؟ قال الفضيل: هي أن تتقي الله فيما بقي يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي.
قال الشاعر: تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تزفر من غيظ ومن حنق على العصاة ورب العرش غضباناً اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا فلما قرأت ولم تنكر قراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفاناً نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبد عصى إلى النار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا قال عز وجل: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا * وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:٤٧ - ٤٩].
فانتبه أيها المسلم! قال الشاعر: أيا من يدعي الفهم إلى كم يا أخا الوهم تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجم أما بان لك العيب أما أنذرك الشيب وما في نصحه ريب كأن سمعك قد صم أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتم فكم تسير في السهو وتختال من الزهو وتنفض إلى اللهو كأن الموت ما عم كأني بك تنحط إلى اللحد وتنغط وقد أسلمك الرهط إلى أضيق من سم هناك الجسم ممدود ليستأكله الدود إلى أن ينخر العود ويمسي العظم قد رم فزود نفسك الخير ودع ما يعقب الضير وهيئ مركب السير وخف من لجة اليم بذا أوصيك يا صاح وقد بحتك من باح فطوبى لفتى راح بآداب محمد يأتم وصدق الله إذ يقول: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [القيامة:٢٦ - ٣٠] ويفتح سجلك أيها اللاهي! ويفتح سجلك أيها الغافل! وإذا به: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة:٣١ - ٣٢]، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
فذكر نفسك أيها الحبيب! وأذكر نفسي وإياك بقول الشاعر: يا نفس قد أزف الرحيل وأظلك الخطب الجليل فتأهبي يا نفس! لا يلعب بك الأمل الطويل فلتنزلن بمنزل ينسى الخليل به الخليل وليركبن فيه عليك من الثرى ثقل ثقيل قرن الفناء بنا فما يبقى العزيز ولا الذليل أسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، في هذه اللحظات الكريمة المباركة، وفي هذه الأيام المشهودة الكريمة، ألا يدع لأحد منا ذنباً إلا غفره، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، اللهم لا تدع لأحد منا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا طائعاً إلا ثبته، ولا عاصياً إلا هديته، ولا حاجة هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا قضيتها ويسرتها يا أرحم الراحمين! اللهم اجعل جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل فينا شقياً ولا محروماً.
اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى، اللهم اهدنا واهد بنا، واجعلنا سبباً لمن اهتدى.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، اللهم إنا نشهدك أن العالم الغربي والعالم الإسلامي قد تخلى عن إخواننا في البوسنة والهرسك، وتخلى عن إخواننا في الشيشان، وتخلى عن إخواننا في فلسطين، وتخلى عن إخواننا في طاجيكستان، وتخلى عن إخواننا في أفغانستان، وتخلى عن إخواننا في كشمير، فاللهم كن لهم ناصراً يوم انعدم الناصر، اللهم كن لإخواننا معيناً يوم انعدم المعين، اللهم لا تتخلى عنا وعنهم بذنوبنا يا أرحم الراحمين! اللهم إنا نشكو إليك أعراض أخواتنا التي انتُهكت، ونشكو إليك دماء إخواننا التي سُفكت، ونشكو إليك أرضنا التي نُهبت، اللهم لا تتخلى عنا بذنوبنا يا أرحم الراحمين! يا أرحم الراحمين! يا ودود يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعال لما يريد! يا من ملأ نوره أركان عرشه! يا غياث المستغيثين! ويا مجيب المضطرين! ويا مفرج كرب المكروبين! ويا كاشف هم المهمومين! فرج الكرب عن أمة حبيبك المصطفى يا رب العالمين! اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم رد الأمة إليك رداً جميلاً، اللهم ارزق الأمة القائد الرباني الذي يقود الأمة بكتابك وسنة نبيك المصطفى.
اللهم اربط على قلوب المجاهدين في كل مكان، اللهم اربط على قلوب المجاهدين في كل مكان.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تجعل مصر واحة للأمن والأمان، اللهم اجعل مصرنا واحة للأمن والأمان، وسائر بلاد الإسلام، اللهم اجعل مصر سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم لا تحرم مصر من التوحيد، ولا تحرم مصر من الأطهار الأبرار برحمتك يا عزيز! يا غفار! أيها الأحبة الكرام! أكثروا من الصلاة والسلام على نبينا وحبيبنا محمد، فلقد أمرنا الله جل وعلا بذلك في محكم تنزيله فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب:٥٦].
اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا وما كان من توفيق فمن الله وحده، وما كان من خطأ أو سهو أو زلل أو نسيان فمني ومن الشيطان، والله ورسوله منه براء، وأعوذ بالله أن أكون جسراً تعبرون عليه إلى الجنة، ويُلقى به في جهنم، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه.
والحمد لله رب العالمين.