[اعتقاد الشيعة والرافضة في قبور أئمتهم]
ومكمن الخطر أن هذه المزاعم قد انتقلت لتتحول إلى ترجمة عملية واقعية في دنيا الناس، فهم يلوذون الآن بقبور أئمتهم، ويفعلون بها ما لا يصدقه عاقل، بل لقد اعتبر الروافض أن أماكن قبور أئمتهم أماكن مقدسة، كالحرم في مكة ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة، وتدبر معي ما قال في (الوافي): إن الكوفة حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم وحرم أمير المؤمنين، وإن الصلاة فيها -أي: في الكوفة- بألف صلاة، والدرهم فيها بألف درهم.
انظر إن شئت كتاب (الوافي) باب: فضل الكوفة ومساجدها، المجلد الثاني (ص:٢١٥).
ويروون عن الصادق: أن لله حرماً هو مكة، ولرسوله حرماً هو المدينة، ولأمير المؤمنين -أي: علي - حرماً هو الكوفة، ولنا حرماً وهو قم.
وقم: بضم القاف وتشديد الميم، مدينة مقدسة في إيران، وقالوا: إنها ما استمدت قداستها إلا من قبر فاطمة بنت موسى بن جعفر الصادق، وموسى بن جعفر الصادق هو إمامهم السابع من الأئمة الإثني عشر!! وكربلاء -وهي الموطن الذي قتل فيه الحسين رضي الله عنه وأرضاه- عندهم أفضل من الكعبة، ففي كتاب (البحار) للمجلسي، الجزء الأول (ص:١٠٧) عن أبي عبد الله أنه قال: إن الله أوحى إلى الكعبة: لولا تربة كربلاء ما فضلتك، ولولا من تضمنته أرض كربلاء ما خلقتك، ولا خلقت البيت الذي به افتخرت، فقري واستقري، وكوني ذنباً متواضعاً ذليلاً مهيناً غير مستنكف ولا مستكبر لأرض كربلاء، وإلا سخت بك وهويت بك في نار جهنم!! وزيارة قبور الأئمة أفضل عندهم من حج بيت الله الحرام، كما في (الكافي) أتى رجل أبا عبد الله فقال له: إني رجل قد حججت تسعة عشر حجة، فادع الله لي أن يرزقني تمام العشرين، فقال له: هل زرت قبر الحسين رضي الله عنه؟ قال: لا، فقال له: لزيارته خير من عشرين حجة.
وجاء هذا أيضاً في الوافي المجلد الثاني (ص: ٢١٩).
وقد يقول قائل: يا أخي! أنت تزعم أو تذكر بأنهم يتوسلون بقبور أئمتهم، وهذا أيضاً موجود عند أهل السنة؟ فأقول: نعم، لا أنكر، ولكن الفارق الكبير بين ما عليه الشيعة أو الرافضة وما عليه أهل السنة: أن الشيعة يفعلون ذلك بقبور أئمتهم كمعتقد، لكن ما يفعله بعض أهل السنة عند قبور الصالحين إنما يفعل من خلال الجهل، وليس من خلال المعتقد، ولو تبين للناس الحق لأذعنوا للحق، ولذلك أنا أوصي شبابنا أنه لا ينبغي أن يتعجل بالحكم بالتكفير على من يذهب إلى قبور الصالحين والأولياء في بلادنا، ولا ينبغي أن نتعجل بإصدار حكم التكفير على أمثال هؤلاء؛ لأن جل هؤلاء لا يعلم الحق، ولم يتعلم، ولم تقم عليه الحجة.
وقد يقول قائل: إن الحجة قد قامت عليهم.
فأقول: هناك فرق بين نوعين من أنواع الحجة: بين الحجة الرسالية العامة، التي أقيمت ببعثة النبي على الناس جميعاً، وبين الحجة الرسالية الخاصة، لا سيما وأن كثيراً من هؤلاء يرى أناساً ممن يشار إليهم بالبنان على أنهم من العلماء -والذين تنقل محاضراتهم ودروسهم من أمثال هذه المساجد، بل حتى من علماء الحديث- يذهبون إلى مثل هذه الأماكن، فيغتر الناس بهذا العمل، فإن جاء واحد مثلك أو مثلي ليذكر الناس ربما التبس عليهم الأمر، فلا ينبغي أن نحكم عليهم بكفر إلا بعد أن نقيم الحجة عليهم، وشتان شتان -يا أيها الشباب- بين إقامة الحجة وفهم الحجة، فإن أقمت الحجة فواجب عليك أن تفهم من أقمت الحجة عليه حجتك، وإلا فما أقمت الحجة عليه، وأرجو ألا يفهم مخلوق من كلامي هذا أنني أقول: إنك لا تنكر على من رأيته يطوف بقبر من القبور، لا، فالفعل فعل شرك، ولكن لا ينبغي أن يتسرع في إطلاق الأحكام التكفيرية، وأنا وضحت قبل ذلك أنه ليس كل من فعل الشرك يحكم عليه بالشرك المطلق، وليس كل من قال الشرك يحكم عليه بالشرك المطلق، فقد يقول الرجل قولة الكفر وليس بكافر، وقد يفعل الرجل فعل الكفر ولا يحكم عليه بالكفر المطلق المخرج من الملة، وهذا أصل كبير من أصول أهل السنة، ينبغي أن لا نتجاهله أو نغفل عنه، حتى لا نقع في هذا المحظور؛ فلأن أخطئ في عدم تكفير مسلم أحب إلي من أن أخطئ في تكفيره، فلن يسألني الله يوم القيامة: لمَ لم تكفر فلاناً؟ وإنما سيسألني: لمَ كفرت فلاناً؟ فالله الله في التعجل في إصدار الأحكام على خلق الله.
ومن أعجب وأروع ما قرأت في حياتي ما قاله الشيخ محمد بن عبد الوهاب -الذي يتهم بأنه من أكبر من كفر في عصرنا الحديث، وهو والله بريء- في كتاب: (الدرر السنية) -وهو كتاب ماتع طيب قيم- قال بالحرف: وإن كنت لا أكفر من يطوف حول الصنم الذي على قبر البدوي، فكيف أكفر من هو دونه؟! هذا كلام في غاية النفاسة، فلا ينبغي أن نتعجل بإصدار الأحكام بالتكفير والتفسيق والتبديع على الناس إلا بعد أن نقيم الحجة عليهم، وبعد أن يفهم الناس الحجة التي أقيمت عليهم، فشتان شتان بين إقامة الحجة وبين فهم الحجة، وليتنا تحركنا إلى الناس لنعلمهم التوحيد الخالص، بدلاً من أن نجلس في مساجدنا وبيوتنا لنكتفي بإصدار الأحكام عليهم فقط، وما أروع قول الشافعي رحمه الله إذ يقول: والله! ما ناظرت أحداً إلا ودعوت الله أن يكون الحق معه.
فتحرك إليه وأنت تتمنى من الله أن يفتح الله صدره للهداية وللسنة، ونسأل الله أن يرد أهلنا وآباءنا ونساءنا وأمهاتنا إلى الحق رداً جميلاً؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وأنا أقول هذا الكلام من باب تجربة عملية خضتها أنا بنفسي، فإنني أعلم أسماء مجموعة من آبائنا الكرام ممن كانوا يأخذون في كل عام أكثر من رأس جاموس، ويذهبون به إلى قبر الشبراوي في القاهرة، وأحدهم -أعرفه جيداً- فقير لا يجد لقمة الخبز، لكنه يأخذ النذر في كل عام لولي من الأولياء على حد زعمه، وهو الآن -ولله الحمد والمنة- من أهل السنة، ويصلي خلف إمام من أهل السنة، وهذا فضل الله جل وعلا، ولما أقمت عليه الحجة وبينت له، كاد والله أن يصعق؛ لأن الرجل ما سمع مثل هذا، واحتج علي ببعض الرموز الدعوية العلمية المشهورة المعروفة، فلما تبين له الحق أذعن للحق، فشتان شتان بين أن يذهب رجل يتوسل بصاحب القبر وهو يعتقد فيه اعتقاداً جازماً، وبين رجل يقول: أنا ما أذهب إلى هذا القبر إلا لأتقرب إلى الله جل وعلا، وأنا أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأنا ما أفعل هذا إلا من باب القربى، فلما تبين له أن هذا الفعل من أفعال الشرك ومن أفعال الكفر، وأنه لا ينبغي أن تسأل إلا الله، وألا تستغيث إلا بالله، وألا تلجأ إلا إلى الله، وألا تنذر إلا لله، وألا تذبح إلا لله، وألا تسأل إلا الله إلخ.
وأعطي له الدليل بأدب ورحمة وحكمة وتواضع شرح الله صدره للحق، أسأل الله أن يثبتنا على الحق.
والقصد: أن الرافضة فهم يعتقدون أن زيارة قبر إمام من أئمتهم أفضل من حج بيت الله الحرام، وأنا أسأل: هل يوجد من جهال المسلمين من يعتقد ذلك؟
الجواب
لا، والله! ولا أقول ذلك على سبيل المجاملة للمسلمين ولإخواننا، فإني والله! لا أرى جاهلاً من جهال المسلمين يعتقد أن زيارته لقبر السيد البدوي -مثلاً- أفضل من أن يحج بيت الله الحرام، ومن أن يزور مسجد النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، لا، ثم لا، ثم لا.