هناك من يجيد الكلمة، ويجيد التمثيل، بل ربما يجيد العبرة؛ ليقال له على شاشات الشيطان الأكبر الموسوم بالتلفاز: إنك رجل عاطفي رقيق! ولا ينبئك عن هذا الصنف الخبيث مثل خبير، يقول جل وعلا:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق اللَّهَ}[البقرة:٢٠٤ - ٢٠٦] فاتق الله، ولا تحارب الله ورسوله! اتق الله ولا تصد عن سبيل الله! فاتق الله ولا تقل: تحت النقاب دعارة! فإن أول من لبست النقاب هن زوجات النبي الطاهرات، اتق الله! ولا تحارب الله ورسوله بحجة أنك تحارب الإرهاب، وأنك تريد أن تقضي على التطرف! فما هو الإرهاب؟ وما هو التطرف؟ قالوا تطرف جيلنا لما سما قدراً وأعطى للطهارة موثقا ورمَوه بالإرهاب حين أبى الخنا ومضى على درب الكرامة وارتقى أوَكان إرهاباً جهادُ نبينا أم كان حقاً بالكتاب مُصَدَّقا أتَطَرُّفٌ إيماننا بالله في عصر تطرف في الهوى وتزندقا؟! إن التطرف أن نذم محمداً والمقتدين به وأن نمدح عفلقا إن التطرف أن نرى من قومنا مَن صانَعَ الكفر اللئيم وأطرقا إن التطرف أن نبادل كافراً حباً ونمنحه الولاء محققا إن التطرف وصمة في وجه مَن حوَّلوا البوسنة رماداً محرقا شتان بين النهر يعذُب ماؤه والبحر في الملح الأجاج تمزقا! اتق الله ولا تعمِّم الأحكام! واتق الله ولا تشوِّه الصورة بكاملها! واتق الله ولا تلطِّخ السمعة بأسرها! اتق الله ولا تجرِّح الكرامة كلها! هل أصبح الدعاة إلى الله والإسلاميون مِن خلفِهم بلا استثناء وبدون تفرقة هم المِشْجَب الذي تُعَلَّق عليه كل الأخطاء؛ من ظلم سياسي، وفساد اجتماعي، وتدهور أخلاقي، وفساد إعلامي وعلمي؟! هل أصبح هؤلاء سر تأخر الأمة، وسبب أزمتها، وسبب تأخرها عن ركب الأمم المتقدمة؟! سبحان ربي العظيم! سبحان رب العظيم! اتق الله -يا عبد الله- ولا تحارب الله ورسوله! اتق الله ولا تضع الحديد والنار أمام دين الله جل وعلا، وأمام المتمسكين بسنة الحبيب رسول الله! اتق الله واعلم بأنك ستُعرض بين يدي الله جل وعلا! ولا تظنن أنك ستقف بين يدي محكمة عسكرية مزوِّرة أو محكمة مدنية تقبل الرشوة، وإنما ستُعرض وستقف بين يدي ملك الملوك جل وعلا.
فتذكر يا من تعبد الكرسي الزائل! ويا من تعبد المنصب الفاني! ويا من تعبد القلم السيال في النفاق! اتق الله واعلم أنك ستقف غداً بين يدي الله جل وعلا! فتذكر يا مسكين! وإياك وأن تغتر! تذكر وقوفك يوم العرض بين يدي الله عز وجل، فأين الجاه؟! وأين الوجاهة؟! وأين المال؟! وأين السلطان؟! وأين الجريدة؟! وأين الصحف؟! وأين الإعلام؟! وأين الوزارة؟! وأين الإمارة؟! وأين كل شيء؟! لقد ضاع كل شيء! قال سبحانه عن الظالم أنه يقول:{مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ}[الحاقة:٢٨ - ٢٩].
تذكر وقوفك يوم العرض عرياناً مستوحشاً قلق الأحشاء حيرانا والنار تلهب من غيظٍ ومن حنقٍ على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مهل فهل ترى فيه حرفاً غير ما كانا اقرأ كتابك يا من حاربت الله! اقرأ كتابك يا من حاربت الأطهار! اقرأ كتابك يا من حاربت الأشراف! اقرأ كتابك يا من اتهمت الصالحات! اقرأ كتابك يا من اتهمت القانتات! فلما قرأتَ ولم تنكر قراءته وأقررتَ إقرار مَن عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكتي وامضوا بعبدٍ عصى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبوا والموحدون بدار الخلد سكانا فتذكر -يا علماني! يا من حاربت الله ورسوله! - أن أمام عينيك وبين يديك باب التوبة وباب الأمل، فإن باب التوبة لا يُغلَق أمام أحد البتة ما دام قد جاء تائباً إلى الله، منيباً إلى مولاه، فاحترم قلمك، واحترم فكرك، واحترم عقلك، واحترم صحيفتك، واحترم مجلتك، واحترم قُرّاءك، واكتب ما يرضي الله وما يرضي رسول الله، وإن كانت لا هذه ولا تلك فاكتب الذي يرضي العقل الحر الأبي، والقلم المنصف الهادئ.
أهذا ما تريدونه؟! وهل هذا حوار أم إشعال للنار؟! قرأتُ على صفحات صفراء الدمن بالحرف الواحد لأحد هؤلاء المرجفين يقول: بعض الملتحين الجدد تذكرك أشكالهم بالصحابة، وبعضهم يذكرونك بكفار قريش!! وقال آخر: أحذركم من الذي يواظب على الصلوات الخمس، وهو يغتسل من جنابة الزنا في حمام المسجد!! هل هذا حوار أم إشعال للنار؟! وهل هذا فكر أم سب وقذف؟! نحن نريد المناقشة، ونريد الحوار الهادئ الذي تنادون به، ونريد العقل والمنطق، فإن أمن البلد لا يهم طائفة من الناس بعينها، إنما يهم كل مسلم ومسلمة؛ لأننا على يقين أنه كلما كان الأمن مستتباً والأمر مستقراً أثمرت الدعوة إلى الله جل وعلا، ولا تظنوا أن البلد يقتصر على طائفة دون طائفة، كلا! والله! قال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتق اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ}[البقرة:٢٠٦] أي: إن لم يتب إلى الله، وإن لم يرجع إلى الله جل وعلا.