لنا زملاء في العمل لا يصلون، علماً بأننا نأمرهم بذلك، ونحن نأكل ونشرب معهم، فما الحكم؟
الجواب
أيها الأحبة الكرام! أود أن تفرقوا بين مقامين: بين مقام الدعوة، ومقام الجهاد.
فمقام الدعوة هو: اللين والحكمة والرحمة، فما دمت في دعوة لأخيك فيجب عليك أن تكون ليناً حكيماً رحيماً، وعليك أن تفتح صدرك له، وإذا ما ذكرته فذكِّره بتواضع، ولا تذكره ولسان حالك يقول: أنا المتبع وأنت المبتدع، وأنا التقي وأنت الشقي، وأنا الطائع وأنت الفاسق، والله يا أخي! لن يسمع لك ولن يسمع منك، وسيدخل الشيطان إلى قلبه ليرد الحق على لسانك، فلا تكن عوناً للشيطان على أخيك، بل ادعه بحكمة ورحمة وأدب وتواضع وابتسامة جميلة، وذكِّر أخاك بالله جل وعلا، ذكِّره مرةً ومرتين وأكثر، فإن الله تبارك وتعالى يقول لنبيه:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا}[طه:١٣٢].
والله يا إخوة! لو فتحنا القلوب بهذه المفاتيح التي وضعها لنا ربنا ونبينا صلى الله عليه وسلم لرأينا الخير الكثير، والعجب العُجاب! جلست مع نائب رئيس جامعة كاليفورينيا في أميركا، فكان الرجل يقسم بالله أنه كان إذا رأى أحداً مثلي: بالغترة واللحية والثوب، يقسم لي بالله أنه كان يبحث عن مكان ليختفي فيه! ويقول: أنا أظن أنك آخذٌ رشاشاً! وكأنه يقول: أنا أخاف؛ لأن الصورة التي عندي أن هذا المنظر إرهاب بكل المقاييس! فالصورة عنده مشوهة؛ ولذا فأنا أقول: إن أعظم خدمة نقدمها الآن للدين هي أن نصحح هذه الصورة عن الإسلام والمسلمين، وعن الملتزمين بصفة خاصة، ولن يكون ذلك إلا بالخلق والأدب والتواضع، والنبي عليه الصلاة والسلام دخل عليه رجل، فأول ما التفت إليه إذا بالرجل يرتعد، فقال له:(هون عليك؛ فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش، كانت تأكل القديد في مكة) انظر إلى الأخلاق العالية! وانظر أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة! ولاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو كفاراً.
قد تجد الرجل وحد الله وقال:(لا إله إلا الله)، وصلى مرةً وتكاسل مرةً، فهذا يحتاج منك إلى أن تذكره بالله جل وعلا بالحكمة والرحمة والموعظة الحسنة الرقراقة، وتدعوه ما بين ترغيب وترهيب، بحسب الأرض التي تبذر فيها البذر، ومراعاة حال التربة أمرٌ من فقه الدعوة.
فأسأل الله أن يهدي إخواننا إلى الحق.
وأذكر إخواننا الذين يضيعون الصلاة بأنهم على خطر عظيم، فلقد قال النبي عليه الصلاة والسلام:(بين المرء وبين الكفر ترك الصلاة)، وهذا ليس من كلامنا أبداً، وإنما هو من كلام الصادق الحبيب، فقد رواه مسلم؛ حتى لا نُتَّهم بالتطرف أو بالتشدد، ويقول صلى الله عليه وسلم:(العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، ويقول صلى الله عليه وسلم:(إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر وصلاة العشاء)، وفي صحيح مسلم من حديث ابن مسعود أنه رضي الله عنه كان يقول:(ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها -أي: عن صلاة الجماعة- إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان يؤتى بالرجل يهادى به بين الرجلين حتى يقام في الصف).
فلا تترك هدي نبيك صلى الله عليه وآله وسلم، واحرص على هذا.
وأنا أقول لك: لو دعاك قائدك في المعسكر وقال: الجندي الفلاني، أو الضابط الفلاني يأتي المكتب في الساعة الفلانية، أتحداك أن تتأخر! فإن دعاك الملك جل وعلا فكيف تتأخر؟! وخذ مثالاً آخر: إذا كنت شاباً وخطبت فتاةً، فقد تذهب إليها وتجلس معها ساعات، بل لو تركك أهلها لجلست معها الليل كله! ثم إنك تجلس أربع ساعات وخمس ساعات، ثم تقول: الساعة جرت والله! والوقت جرى! فهذه خمس ساعات وأنت مستأنس، وأما عند الصلاة فكما قال الشاعر: تأتي للصلاة في فتور كأنك قد دُعيت إلى البلاء وإن أديتها جاءت بنقص لما قد كان من شرك الرياء وإن تخلو عن الإشراك فيها تدبر للأمور بالارتقاء ويا ليت التدبر في مباح ولكن في المشقة والشقاء وإن كنت المصلي بين خلقه أطلت ركوعها بالانحناء وتعجل خوف تأخير لشغل كأن الشغل أولى من لقاه وإن كنت المجالس يوماً أنثى قطعت الوقت من غير اكتفاء أيا عبد لا يساوي الله معك أنثى تناجيه بحب أو صفاء فأقبل على الله فإن الصلاة كفارة وصلة، كما قال صلى الله عليه وسلم:(أرأيتم لو أن نهراً بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، أيبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا، يا رسول الله! قال: فذلك مَثَل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا)، وفي الحديث الذي رواه بعض أصحاب السنن وحسنه الشيخ الألباني في (صحيح الترغيب والترهيب) أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: (تحترقون تحترقون -أي: بالذنوب والمعاصي- فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صلتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم شيء حتى تستيقظوا) فانظر إلى فضل الصلاة! أسأل الله أن يوفقنا وإياكم للمحافظة عليها؛ إنه وليس ذلك ومولاه.